أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

صور الفساد القضائي (3-4)

أرشيف

بعد أن تناولنا في الحلقتين السّابقتين من سلسلة الفساد القضائي في سوريا حتى انطلاق الثورة السورية موضوعي: أسباب الفساد القضائي، وأساليبه وآلياته، فإنه يجدر بنا استكمالاٍ للمشهد من وجوهه كافةً أن نتعرض لصور ِالفساد.

سنعرض لبعض أنماط وصور الفساد الرئيسية الأكثر شيوعاً في المحاكم من خلال إيراد بعض القضايا والوقائع مثالاً على ذلك، ثم نتناول في حلقة قادمة صور الفساد في باقي مكونات الجهاز القضائي السوري.

رابعاً - صور الفساد القضائي: وأعرض الآن بعضاً من صور الفساد في الجهاز القضائي مبتدئاً بالمحاكم: 

*حكَم القاضي
بعد أن خسر المؤجر صاحب البيت دعواه بمواجهة المستأجر الذي يمتنع عن دفع الأجرة مما حدا بالمؤجر إلى أن يرفع دعوى إخلاء لعلة عدم دفع الأجرة، والنتيجة وبسبب حصول مداخلات بين المستأجر والمحكمة أدت إلى انحيازها في حكمها لمصلحة المستأجر، وحضر المستأجر إلى البيت وهو يغني بقصد إغاظة صاحب البيت أغنية "حكَم القاضي" لـ"نجوى كرم"، فلم يتمالك المؤجر أعصابه وأحضر مسدسه وأطلق على المستأجر عدة طلقات أودت بحياته.

*مزرعة الأبقار
ما كان يخطر ببال المدعى عليه أن تتحول جلسة الاستماع له حول حيثيات ومجريات التهمة المنسوبة إليه، إلى التحقيق عن مزرعة أبقاره الضخمة وعدد الأبقار وكميات إنتاج الحليب والزبدة والجبن، عندما تبين للقاضي أن المدعى عليه يملك مزرعة أبقار ضخمة، كل ذلك تحت قوس المحكمة وحضور أطراف الدعوى.

*عسل الملكة
أثناء نظر القاضي لطلبات إخلاء السبيل في غرفة المذاكرة، دخل أحد المحامين على القاضي وقال له (لقد أحضرت لك ثلاثة كيلو عسل من نوع غذاء الملكة بتخليك حديد وبترجع شب، فقال القاضي أكيد حديد، وجلجلت في القاعة ضحكة طويلة، بعد ساعة من الزمن تمت الموافقة على إخلاء السبيل، وظفر القاضي بالعسل الذي يعيد له فروسيته..!

*القاضي أبو حجر
كان لأحد القضاة أسلوب غريب ومتفرّد بدائي في استلام مبلغ الرشوة، فقد كان لا يقبض مبالغ الرشوة باليد من أحد، إذ كانت ثقته منحصرة بالحجر لأنه لا يتكلم، حيث يطُلب من دافع الرشوة وضع المبلغ تحت حجر كبيرٍ يعطيه أوصافه ويحدد له مكانه والباقي على القاضي الذي صار لقبه القاضي أبو حجر.

*التوسع خارج القضاء
وسّع بعض القضاة مجال قطّاع فسادهم خارج أروقة المحاكم، ليشمل نطاقات أخرى مثل التوسط لدى كبار ضباط الجيش والأمن والشرطة من أجل نقل وفرز جنود عساكر وعناصر شرطة، وذلك بحكم علاقات القضاة مع هؤلاء الضباط التي تنشأ من طبيعة عمل القاضي التي تجعله يحتكّ بشرائح المجتمع كافة، والتي تقوم على المصلحة المتبادلة.

* حوادث سير وهمية
عندما تتضافر مقومات الفساد باجتماع قضاة ومحامين فاسدين ،ينجم عن ذلك ابتكار أساليب وفنون غاية في الدهاء والمكر، حيث كان يدير هذه الحوادث بعض المحامين في مدينة حمص وغيرها وبالتنسيق المسبق مع قسم الشرطة المختص وخبراء السير ووكلاء مؤسسة التأمين والقاضي حين تصبح القضية منظورة أمامه، وتقوم هذه الطريقة على افتعال حوادث سير لا ينجمُ عنها سوى أضرارٍ مادية بسيطة بالسّيّارة، ليأتي دور قسم الشرطة الذي يُستدعى لتنظيم الضبط اللازم، حيث يكتب منظم الضبط مشاهداته على السيارة، حيث يزوّر الوقائع ويسجل إصابات مادية فادحة لاحقة بالسيارة تفوق الواقع بعشرات الأضعاف، الأمر الذي يضاعف مبلغ التعويض المستحق لصاحب السيارة وبالتالي يزيد من مقدار أتعاب المحامي الذي يطلب من القاضي الإسراع بفصل القضية ولا يمر ذلك دون مقابل يُمنح للقاضي الذي يعلم جيداً مدى جدوى مثل هذا النوع من الدعاوى، حيث إن دعاوى التعويض بمواجهة المؤسسة العامة السورية للتأمين التي تحتاج بالشكل الطبيعي لعام ونصف كي تحسم من كافة درجات التقاضي، لا يلزمها في الدعاوى الوهمية أكثر من ستة أشهر، ولا شك أن كل تلك الأفعال تشكل جرماً يعاقب عليه القانون لأنه يخلّفُ إضراراً بالمال العام وهي أموال المؤسسة العامة السورية للتأمين.

*عندما يرتكب القاضي جريمة
حدث وأن ارتكب قاض جريمة حجز حرية بحق الآخرين مستغلاً سلطات منصبه، وكثيراً ما كانت تقع هذه الحالة، إذ إن قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري، حدّد مدة توقيف قصوى للمتهم في بعض الجرائم لا يجوز له تجاوزها، ورتّب عليه القانون في حال قدّم إليه المتهم الموقوف طلب إخلاء سبيل أن يجيبه إلى طلبه ويخلي سبيله خلال مدة أقصاها خمسة أيام،، وهو ما يسمى قانوناً (إخلاء السبيل الوجوبي أو إخلاء السبيل بحق القانون)، لأنه حق للمتهم في بعض الجرائم البسيطة الواضحة الحيثيات وذلك ضماناً لحريته الشخصية، والذي كان يحصل في الواقع العملي، وإثر مداخلة من الجهة المدعية مع القاضي، أن يرفض القاضي إخلاء سبيل المتهم مستمراً في توقيفه وحجز حريته، مخالفاً بذلك أحكام القانون، مستغلاً صلاحيات منصبه، ولا شك أن ذلك التصرف لا يقوم به القاضي دون مقابلٍ معلوم يدفعه صاحب المصلحة من الخصوم.

*العدالة ضد العدالة
لقد أوجب القانون على القاضي أن يصدر مذكرة توقيف بالسجن بحق السائق الذي ارتكب جريمة الإيذاء غير المقصود، وذلك في حال دهسه أحداً من الناس أو اصطدامه بسيارة غيره، وذلك حين ينجم عن فعله أضرار جسدية تلحق بالمصاب، تتجاوز مدة التعطيل عن العمل فيها 10 أيام، إلا أن بعض القضاة كانوا لا يقومون بهذا الإجراء المنصوص عنه بصراحة القانون، بل على العكس، في حين يكون الشخص المصاب نزيل المشفى بين الحياة والموت، فإن القاضي يقوم بإصدار مذكرة توقيف بحق السائق وإبقائه في المشفى بحراسة شرطي، وذلك عقب مداخلة من السائق أو وكيله القانوني وبين الطبيب الشرعي المرافق، وبعلم القاضي الذي يقوم بالتحقيق مع السائق والذي تكون إصابته بسيطة جراء الحادث ولا يلحقه ضرر من توقيفه في السجن، ومن الطبيعي أن ظروف التوقيف في المشفى مريحةٌ جدا قياساً لظروف السجن، وطبيعيٌّ أن يكون لهذا الإجراء مقابل مجزٍ.

زاوية قانونية - المحامي سليمان النحيلي - من كتاب زمان الوصل
(196)    هل أعجبتك المقالة (162)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي