أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

كلمة حول الوعي الثوري الجديد.. فؤاد حميرة*

من مظاهرات إدلب - جيتي

لم ينزح الوعي الثوري لدى جيل الشباب إلى حد تحقيق القطيعة مع جيل الآباء التقليديين أو دعونا نستعير جملة الباحث اللبناني زياد ماجد، إذ يطلق عليهم اسم (الآباء المكرسين) بمعنى الآباء الذين كرسوا سياسة وعي ثقافة الإحباط واللاجدوى من أي تحرك هذا الجيل (وأنا منه طبعا) الذي نشر وعن غير قصد مفهوم الأنظمة العربية الأبدية.

ويبدو أن ثماني سنوات من الثورة لم تكن كافية لوضع اللبنات الأولى لوعي جديد لا يتكئ على مفاهيم تقليدية، وإنما يتلمس التأسيس لمفاهيم وعي جديد يرى في العمل الثوري طريقا لوعي ثوري قادر على التأثير وخلق بنى فكرية واضحة تنزع إلى اجتثاث التشوش القائم.

إن حديثنا عن قطيعة مع جيل الآباء لا يعني أن الشباب لم يعلن نقمته على الجيل القديم وعلى وعيه وكل مفاهيمه وإنما نقصد هنا الحديث عن خلق وعي وثقافة جديدتين، إذ لم تكرس الثورة حتى الآن روائيا أو شاعرا أو فنانا يمكن اعتباره المثال أو مصدرا للوعي المرتجى، فكل المقولات والمفاهيم السائدة مأخوذة من جيل الآباء، وخاصة أولئك الآباء الذين ناصروا الثورة وأيدوها ووقفوا إلى جانب قضية الشعب الثائر، وهنا يمكن أن نتساءل لماذا لم تخلق الثورة مثقفين شبابا قادرين على وضع حجر الأساس لثقافة ووعي جديدين؟ لماذا نستمر في الاتكاء على جيل ما قبل الثورة؟ إن ظهور رواية هنا وفيلم قصير هناك أو شعار مفتاحي متميز لا يعني ظهور وعي جديد.

تتأتى أهمية الوعي زمن الحروب والثورات من الحاجة الملحة التي تفرضها الصورة المشوشة في أذهان الأفراد غير المشاركين مباشرة في حمل السلاح أي أولئك الأشخاص الذين لا يشكلون صامولة ما في آلة الحرب، فالأفراد داخل المعركة العسكرية لا يحتاجون إلا للتفكير في تحقيق النصر، أما الأشخاص خارج هذه المطحنة فإنهم يحتاجون لتبرير ما يجري ليكون في مقدورهم تكوين حكم قيمي على طرفي المعركة.

وكما يقول "سيغموند فرويد" في كتابه (أفكار في زمن الحرب): حتى العلم نفسه قد يفقد حياديته المبرأة عن الهوى لأن خدامه يسعون إلى الحصول على أسلحة قادرة على إلحاق الهزيمة بالعدو، وعالم الأنثروبولوجيا مدفوع لأن يعلن بأن العدو منحط ودنيء والطبيب العقلي مضطر لأن ينشر تشخيصه لمرض العدو العقلي أو الروحي. 

هكذا يستغل كل طرف أعتى أسلحته الفكرية للتشويش على فهم من هم خارج المعركة ومحاولة استقطابهم إلى صفه، ولذلك السعي لتأسيس وعي واضح وناضج ضروري للغاية مع إعلان صريح للقطيعة مع كل ثقافة عملت سابقا على تكريس مفاهيم العبثية والإحباط، بل وحتى مشاعر الخيبة والنكوص في مرحلة من مراحل تراجع الثورة.

ولقد سبق أن قلنا مع آخرين إن معركتنا مع النظام ليست معركة عسكرية، بل هي معركة ثقافية وفكرية أيضا، ولكن لم تلقَ صيحاتنا آذانا صاغية ولم يسع كثيرون إلى وضع الوعي في خدمة الثورة، ولذلك تراجعت الثورة عسكريا بدا وكأنها (الثورة) مكشوفة الظهر ودون سند فكري يدعمها دون وعي جديد وبلا إعلام واع يشكل غطاء للثورة ويكون عونا لها في التهيؤ لتأسيس مرحلة ثورية جديدة.

إننا وفي محاولة لفهم أسباب الاندفاع نحو الأعمال العسكرية مع إغفال شبه تام لأهمية الوعي الثوري قد يجرنا إلى مكان نصبح فيه الدريئة السهلة التي تنطلق عليها سهام "الثوريين" ضيقي الأفق والذين قد يرون في تحليلاتنا طعنا في العمل الثوري العسكري، وهذا الخوف له ما يبرره ايضا وله أسبابه فقد اعتدنا على إطلاق السهام عند كل رأي مخالف، وذلك على الرغم من التراجع الواضح في العمل العسكري الثوري، فحتى اللحظة مازال العسكريون يرفضون تلقي أية مشورة، كما أن معظم الفصائل العسكرية لا تقبل أن يكون معها مكاتب سياسية وإن حصل وأسست إحداها مثل هذه المكاتب فإنها تعمد إلى اختيار أشخاص ليسوا أكفاء ولا يمتلكون الخبرة اللازمة ولا الأدوات الصحيحة للعمل، معتمدين في اختياراتهم -في الغالب -على القرابة والمعرفة الشخصية والواسطة بغض النظر عن الكفاءة.

الشتائم التي يكيلها بعض جمهور الثورة نحو الفنانين والأدباء والشعراء لا تعني قطيعة مع هذا الجيل بالتأكيد بل تعني نقصا في الوعي وخطأ أخلاقيا يجب تلافيه وقمعه بالسرعة الممكنة ولا ينبغي قبول التبريرات التي يسوقها البعض لجعل مثل هذه الأفعال عملا ثوريا.

إن البناء لوعي وثقافة جديدتين يتطلب في الدرجة الأولى التوقف عن ممارسة سياسة "كي الوعي" التي مارسها ويمارسها جهلة أو عملاء للنظام مزروعون في صفوف جمهور الثورة بهدف تشويش الصورة ومنع قيام وعي ثوري حقيقي.

*من كتاب "زمان الوصل"
(233)    هل أعجبتك المقالة (278)

غسان الاحمد

2018-10-10

نعم ثمان سنوات لم تكن كافية حتى لبناء لبنة في الوعي الثوري ، رغم ان هناك فنانين و كتاب و مثقفين انحازو للثورة ولكن تم محاربتهم ايضا من العسكريين و الكتائب التي كانت تحارب النظام. اعتقد استاز فؤاد نحتاج الى جيل ثوري جديد لايخضع اللي جهاز تحكم خارجي.


فؤاد حميرة

2018-10-12

صحيح أخي غسان ....وهذا ما قصدته بالقطيعة مع جيل الآباء المكرسين.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي