السخرية من بشار الأسد والشماتة بمصائبه، هو أقل ما يمكن أن يقوم به الشعب السوري، ردا على جرائمه التي ارتكبها بحقهم وأذاقهم فيها شتى صنوف القهر والعذاب، بدءا من اعتقالهم والتنكيل بهم وقتلهم، وانتهاء بتدمير بيوتهم وتهجيرهم إلى خارج بلدهم.
وإذا كان هناك من يرى أن هذه الشماتة لا ترقى لأخلاق الثورة والثوار ، فهو لم يقرأ التاريخ الاجتماعي للثورات في العالم، وكيف أن شعوبا متحضرة، كانت تفعل وتقول بديكتاتوريها، ما لم يقله مالك في الخمرة.
وكم من ديكتاتور في الغرب، لم يلق مصيره وحده على يد شعبه، بل وجميع أفراد أسرته، بما فيهم الأولاد.
الشعب السوري ورغم كل ما مر عليه من ويلات على يد هذا النظام، فهو لايزال يتعامل بروح رياضية مع عائلة بشار الأسد، ولو سألت أي سوري عن موقفه منها في حال القبض على بشار ومحاكمته، سوف يقول لك على الفور : ما شأنهم وما علاقتهم ..؟ فليذهبوا ، فإنهم طلقاء.
لكنك بنفس الوقت، لا تستطيع أن تمنع هذه الروح الجماعية الملآى بالقهر ، أن تمارس حقها في التنفيس عن عذاباتها، من خلال الشماتة بزوجة الديكتاتور وابنه، في موضوع له علاقة بقدر الهي، فالمعذب لا يستطيع أن يرى الأمور من هذا الجانب ، وإنما يعتقد أن ذلك، هو انتقام الله العادل له، وانتصار لآلامه، عبر تعذيب الجزار ذاته.
ألم يمرض حافظ الأسد، بسرطان الدم، بعيد مجازره في حماة في الثمانينات من القرن الماضي، وظل هذا المرض مرافقا له حتى موته في العام 2000 .. ؟ وألم يفقد حافظ الأسد أيضا ابنه باسل، الذي كان يربيه "كل شبر بنذر" من أجل أن يرث حكمه وجميع مجازره..؟ لقد خففت هذه المصائب التي حلت بالأسد الأب، الكثير من آلام الشعب السوري، فليس أجمل من أن يشعر المظلوم بأن جلاده يتعذب، وأن هناك من ينتقم له، رغم ضعفه وقلة حيلته.
لذلك، الصور التي يقوم بنشرها النظام لأسماء الأخرس زوجة بشار ، وهي تعاني من مرض السرطان، لا نستغرب أنه يستخدمها لعدة أهداف، بينها سحب طاقة الشعب السلبية اتجاهه، والإيحاء له بأنه انتصر عليه عبر العدالة الإلهية، هذا بالإضافة للأهداف السياسية المتعلقة بالإعلام العالمي، والتي يعتقد بأن ذلك يزيد من كمية التعاطف معه، وقد تشكل إضافة مستحبة عند البدء بإعادة تأهيله.
لكن يبقى هناك سؤال محير بالفعل، وهو لماذا الدفع والمتاجرة بمرض أسماء عبر نشر صورها تحديدا، بينما يستطيع النظام بكل بساطة، إذا كان يعتقد أنه لا يمكن إخفاء مرض زوجة الرئيس، أن يصدر بيانا مقتضبا من القصر الجمهوري، يوضح فيه طبيعة مرضها، وينتهى الأمر.؟!
غير أن المتابع، يدرك بأن هناك إصرارا من النظام على نشر الصور ، وأحيانا بطريقة غير مفهومة، وبالذات تلك التي ظهرت بها مؤخرا برفقة أحدهم، وهي ترتدي حجابا، ما يشير إلى أن شعرها تساقط بالكامل، وقد أصبحت صلعاء.
فلماذا مثلا لم يظهر إلى جانبها بشار ، كما الصورة الأولى ..؟ فهل يريد أن النظام أن يقول إنه رغم تقدم مرضها، فها هي لاتزال تقوم بمهامها وتمارس دورها وعملها..؟
بكل الأحوال، باعتقادنا، أن الرسائل التي يريد النظام إيصالها عبر نشر صور زوجة بشار المريضة بالسرطان، هي أقل بكثير من النتائج المحققة أو تلك المرجو تحقيقها.
بل إن السماح لهذا الحمار المنفلت من رسنه، والذي يدعى "حيدرة بن بهجت سليمان" لكي يتولى مهمة الرد والردح على الساخرين والشامتين بمرض أسماء، هو بحد ذاته إفساد للرسائل الإنسانية التي يريد النظام إيصالها..
وقد رأينا، كيف أن الصورة الأخيرة التي ظهرت بها أسماء وهي صلعاء، قد زادت من وتيرة التحدي في السخرية والشماتة لدى الشعب السوري، ما يعني بأن النظام يمارس عن قصد، لعبة الثور و"الخرقة" الحمراء.
لكنه أراد أن يكون هو من يمسك بالخرقة الحمراء، فإذا به يصبح هو الثور والخرقة معا.. !
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية