قبل أيام قليلة أعلنت إدارة (أوباما) أنها لن تشارك في مؤتمر (دوربان الثاني) لمناهضة العنصرية الذي سيعقد برعاية الأمم المتحدة في جنيف في 21 نيسان المقبل لمناقشة طرق تصفية أشكال التمييز في العالم، فبعد إرسال أوباما لمبعوثين أميركيين إلى اللجنة التحضيرية للمؤتمر في جنيف ومحاولته تغيير مسودة مشروع البيان الذي ستدان فيه إسرائيل بممارسة العنصرية والاحتلال الاستيطاني والفشل في إقناع الدول المشاركة بالموافقة على هذا التغيير الذي يريد فرضه لمصلحة إسرائيل قرر البيت الأبيض الإعلان عن مقاطعة واشنطن للمؤتمر.
وبهذا الإعلان حققت إسرائيل والحركة الصهيونية في العالم أول «إنجازاتها» من الرئيس أوباما على ما يمكن أن يمثله في حركة مناهضة العنصرية وكانت كندا من قبله قد أعلنت أنها لن تشارك في مؤتمر جنيف.
ورغم فداحة هذا القرار الأميركي وخطورته على الأمة العربية وخصوصاً على الشعب الفلسطيني الذي ما زال يعاني من جميع الأشكال الوحشية للأيديولوجية العنصرية الصهيونية وللاحتلال الإسرائيلي لم يظهر على ما يبدو حتى الآن رد فعل عربي من الجامعة العربية ينتقد هذا الموقف الأميركي، كما لم تشكل حتى الآن لجنة عربية مشتركة تتصدى لكل من يسعى إلى تغيير نتائج مؤتمر مناهضة العنصرية في جنيف، وبالمقابل بدأت إسرائيل منذ أشهر بإعداد حملات منسقة مع المنظمات اليهودية والصهيونية العالمية للضغط على الدول ودفعها إلى مقاطعة المؤتمر لأن يدين إسرائيل وأعدت وزارة الخارجية الإسرائيلية طاقماً خاصاً بدأ بتركيز نشاطه في رئاسة الاتحاد الأوروبي التي تتولاها الآن تشيكيا وقادتها المتحالفون بشكل عميق مع القيادة الإسرائيلية. وقررت إسرائيل تسمية مؤتمر مناهضة العنصرية مؤتمر «المعادين للسامية» ونشطت ماكينتها الإعلامية والسياسية بمطالبة جميع دول الاتحاد الأوروبي باتخاذ الموقف الأميركي نفسه وذكرت صحيفة جروزليم بوست الإسرائيلية أن بريطانيا وإيطاليا أعلنتا أنهما تدرسان فكرة مقاطعة المؤتمر، أما فرنسا فقد أعلن رئيسها ساركوزي قبل سنة أنه لن يحضر مؤتمراً «معادياً للسامية».
وأشار قادة إسرائيل في وسائل الإعلام إلى أنهم مرتاحون جداً لوجود قادة تشيكيا في رئاسة الاتحاد الأوروبي لأنهم من «المخلصين لإسرائيل» ورأى هؤلاء القادة الإسرائيليون أن إحباطهم لمؤتمر دوربان الثاني الذي سيعقد في جنيف في نيسان المقبل سينسف ويلغي ما قرره مؤتمر (دوربان الأول) عام 2001 حين اعتبر الصهيونية عنصرية تستدعي التنديد والمقاطعة قبل ثماني سنوات.
فالمعركة بالنسبة لإسرائيل مزدوجة وذات هدفين في وقت واحد وقد أعلنت استنفاراً سياسياً وإعلامياً لتحقيقه رغم أن العالم كله شهد منذ عام 2001 حتى الآن أسوأ أشكال العنصرية وحشية في التاريخ وخصوصاً في بناء الجدار الفاصل وفي المذابح التي ارتكبتها قوات الاحتلال في جنين ونابلس وجنوب لبنان وقطاع غزة.
بل إن حكومة نتنياهو التي ستتولى قيادة إسرائيل أثناء انعقاد المؤتمر في جنيف تضم أبرز العنصريين الذين يحملون سجلاً مكثفاً من التصريحات والممارسات العنصرية العلنية بحق العرب في الأراضي المحتلة من ليبرمان إلى حركة (شاس) إلى (ايلداد) في (حركة الاتحاد القومي) إلى عدد كبير من قادة ليكود.
وفي المؤتمر السابق في دوربان الأول صوت 4000 مسؤول ومندوب شارك في المؤتمر من المنظمات الحكومية وغير الحكومية ومن بينها منظمة (امنستي) الدولية ومنظمات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بالتصويت لمصلحة قرار يدين إسرائيل والصهيونية بالعنصرية. وكان هؤلاء الممثلون من أوروبا وأميركا وبقية دول العالم ولم تستطع إسرائيل والحركة الصهيونية الضغط عليهم أو تغيير مواقفهم رغم كل المحاولات التي بذلتها بل إن واشنطن نفسها لم تستطع تغيير مواقف من شارك في جلسة «المنظمات غير الحكومية في العالم».
ويبدو من الواضح أن إسرائيل تسعى الآن إلى دفع دول أوروبية نحو الموقف الكندي والأميركي نفسه في سباق مع الأسابيع المقبلة التي ستمضي بانتظار نيسان المقبل.
ولذلك يصبح من المطلوب عربياً وإسلامياً ومن خلال المنظمات الدولية العربية مثل الجامعة العربية، والإسلامية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي وضع برنامج سياسي وإعلامي يتحرك من خلاله المعنيون في العالم من أجل حماية الشعب الفلسطيني وإدانة إسرائيل والصهيونية لا بالعنصرية فحسب بل وبارتكاب جرائم حرب بحق الإنسانية، وسوف يكون من المؤسف جداً أن تتخذ بعض الدول الأوروبية موقفاً مماثلاً لواشنطن ولا تسمع من أي مسؤول عربي انتقاداً أو موقفاً يدعو إلى إنصاف هذه الأمة وفضح الصورة البارزة لعدوها المركزي الصهيونية وإسرائيل.
فأوباما سقط في أول اختبار كان يمكن أن يكون أسهل اختبار له بعد نجاحه في الوصول إلى الرئاسة الأميركية ولا يمكن من ثم توقع المفاجآت الأخرى منه في أفغانستان والعراق وحدهما بل وفي الأراضي المحتلة لأنه وجه أول ضربة في مقاطعته لمؤتمر جنيف للشعب العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة منذ عام 1948، ومنذ عام 1967 على السواء والتغيير الذي دعا إليه في السياسة الأميركية لن يتحقق منه شيء لأن بوش من قبله أعلن أنه سيقاطع مؤتمر جنيف إذا قرر الحضور فيه إدانة إسرائيل بالعنصرية وهذا تماماً ما يدل على أن من يرسم السياسة الأميركية هم «المحافظون الجدد» أنفسهم في صورة الحزب الديمقراطي وإدارته الجديدة.
وبالمقابل من المؤكد أن واشنطن لن تستطيع بمقاطعتها حتى لو انضمت إليها دول أخرى تغيير نتائج المؤتمر التي ستتحول إلى وثيقة في سجلات الأمم المتحدة وسجلات دول العالم التي تقف رافضة العنصرية والاحتلال والاستيطان.
ولو استطلع أوباما الرأي العام الأميركي حول موقفه من مؤتمر لمناهضة العنصرية لوجد أن ما يزيد على 70% من الأميركيين لا يقبلون بموقفه وحجته لعدم المشاركة فيه، فثمة يهود غير صهيونيين سيحضرون مؤتمر جنيف ويدينون إسرائيل والصهيونية بالعنصرية وبجرائم الحرب.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية