كثيرا ما أسأل نفسي هذا السؤال: لو أني التقيت في أوروبا أحد الأصدقاء الذين عملنا سابقا في سوريا، بينما هو اليوم من المؤيدين للنظام، ما أنا فاعل معه..؟ صدقوني لا أستطيع أن أتخيل نفسي سوى أن نجلس ونتحدث سوية ونسترجع ذكرياتنا مع بعض وأسأله ويسألني عن الأحوال.
وقد تعرضت لهذا الموقف حقيقة، عندما فوجئت أحد المرات بالصحفي "أيمن القحف"، وهو من عتاة المؤيدين، يتصل بي قبل أكثر من سنتين ليخبرني أنه في زيارة إلى باريس، ويرغب أن نلتقي..يومها اعتذرت لأني بعيد عن باريس سفر يوم كامل، ولو كنت هناك لما ترددت أبدا بلقائه.
فما المانع أن ألتقي بأيمن القحف أو غيره من المؤيدين، ونتحاور سياسيا ويحاول كل منا أن يعرض وجهة نظره..؟ من قال إن ذلك محرم أو جريمة كما يجري تصنيفها اليوم..؟ ألم يجلس قادة كبار في الجيش الحر مع جيش النظام في إطار ما يعرف بالمصالحات..؟ ومن جهة ثانية، من منا ليس لديه أخ أو قريب لا يزال يؤيد النظام ويعمل معه..؟ هل يعني ذلك أنني يجب أن أقطع العلاقة معهم، ونتحارب..؟! ما الذي تريدون التأسيس له بالضبط..؟
من وجهة نظري أن لا شيء يمنع من التواصل مع أحد المؤيدين، لكن بشرط أن لا تشكل هذه العلاقة حاجزا عن انتقاده وانتقاد موقفه السياسي، أو أن يتسبب ذلك في تغيير لغتي وموقفي، وقد فعلت ذلك كثيرا، عندما انتقدت "أيمن القحف"، على سبيل المثال، أكثر من مرة وبالاسم الصريح.
أما بالنسبة لـ"فراس فياض"، المخرج المعارض الذي قامت الدنيا ولم تقعد عليه، لأنه تصور في أمريكا مع قصي خولي المؤيد، أقول: من يعرف فراس عن قرب لا يمكن أبدا أن يتصوره أن يصبح "نصر الحريري" أو "ميشيل كيلو".. هو أكثر ما يمكن أن يحدثك عنه حول هذا النظام أنه مجرم وسفاح.. ولا ننسى أن فراس ذاته كان قد تعرض لتجربة الاعتقال لبضعة أشهر في بداية الثورة، إلا أن ذلك لم يحوله إلى تاجر باعتقاله وإلى شاعر يتحدث عن آلامه.
وأذكر عندما التقيته في بيته في عمان، هو وزوجته أليسار حسن، في منتصف العام 2012، في إطار الإعداد لمشروع إذاعة "صوت راية"، الذي لم يكتب لي العمل به، أذكر أن أول انطباع سجلته عنه، أنني أتعرف على شاب هو ابن الثورة الحقيقي، هو ابن القرن الواحد والعشرين، الذي لا يولي اهتماما للحديث عن مزاياه الشخصية وعذاباته، بقدر ما يحدثك عن حيويته وعما يجول في رأسه من أفكار ومشاريع.
تخيلته في تلك الفترة، لو أنه التقى بجلاده في الأردن، لقال له بود:"ليش عملت فيني هيك يا زلمة..شو عملتلك أنا..؟" ثم لدعاه على فنجان قهوة في بيته وسهرا معا وضحكا حتى الصباح".
فراس ليس قائد كتيبة في الجيش الحر، وإنما هو مخرج وفنان، يحب حياة اللهو والضحك، مثله مثل أي شاب في الثلاثين من عمره.. يريد أن يعيش حياته، فلا تحملوه أكثر مما يحتمل.
بينما نحن الجيل الذي عاصر حافظ الأسد، لدينا عقد من نوع آخر، ليس من السهل التخلص منها..وكنت أقول في بداية الثورة، إن بشار الأسد، يدفع ثمن "حقارات" والده، التي كان يجب أن يتصالح بها مع الشعب السوري في بداية حكمه..ثم فيما بعد أصبح يدفع ثمن حماقاته و"سفالاته" والتي تفوق بها على والده.
أعتقد، وبالعودة إلى فراس، الذي صورته الانتقادات بأنه يعود لحضن الوطن من خلال صورة له مع قصي خولي في حالة ود وانسجام، أعتقد لو أن هناك معارضة محترمة، لكانت استدعته وكرمته على ما قدمه من عمل يفوق كل أعمالها وثرثرتها، وقدمت له الدعم من أجل أن ينجز المزيد من الأفكار، لا أن تضعه على مقصلة النقد وتبدأ بحز رقبته.
يا سادة، فراس أنجز وثيقة تاريخية لا يمكن أن تمحى في مواجهته لهذا النظام.. أما أنتم: ماذا فعلتم غير "العلاك" والنميمة..؟!
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية