أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ما خفي من اتفاق أردوغان بوتين حول إدلب*

أردوغان وبوتين - جيتي

كثُر التحليل والتأويل حول الموضوع الأهم على الساحة السورية منذ أسبوعين، اتفاق الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان حول إدلب، وكل ما قيل حوله لم يتعد القراءة الذاتية لمفرداته وفقراته وما أحاط بلقاء الزعيمين وكيفية خروج البيان، وهذا منطقي في ظل شح موارد المعلومات حول ما جرى الاتفاق عليه، وليس ما ورد في البيان.

معطيات هامة حملها اللقاء، منها أنه تلا اجتماع الزعيمين مع الرئيس الإيراني، ذلك الاجتماع الذي أُعِدّ له الفشل مسبقا، وتم التشهير به على الشاشات ببث حيّ، وكانت الغاية منه إبعاد إيران عن المشاركة بتقرير مصير إدلب، وهذه رغبة دولية وإسرائيلية على وجه الخصوص.

ومن الإشارات التي يمكن التقاطها، هي الخداع الروسي المستمر منذ أول أستانة حتى سوتشي، وتتمثل بالإعلان عن اتفاقات وتفاهمات محددة يتم إبلاغ السوريين بها ونشرها على وسائل الإعلام، ومن ثمّ إضافة الكثير من التعديلات عليها، ومن المرجح أن تلك التعديلات لم تطرأ بمحض الصدفة أو الضرورة بل اتفق عليها الضامنون الثلاثة قبلا، دون إطلاع التابعين السوريين من طرفي معادلة المعارضة والنظام، وحملت الأيام اللاحقة للاتفاق الجديد خطوات ميدانية لم ترد في نصوصه، وهذا ما يوحي بوجود أسرار قد تكون أكبر وأكثر تأثيرا سلبا أم إيجابا.

بدأت وسائل إعلام موالية وغربية تسرب نبأ مفاده أن المنطقة المنزوعة السلاح "الثقيل" ستكون من جانب المعارضة فقط، وأن المسافة ستكون عشرين كيلو مترا وأكثر، وهذا ما تشهده ساحة الريف الجنوبي والشرقي للمحافظة، وعلى النقيض من ذلك بدأ النظام سحب سلاحه الثقيل من بعض نقاط المواجهة في ريف اللاذقية، فيما بقيت فصائل المعارضة في مكانها.

ضباط من الجيش والأمن التركي أخبروا قيادات بفصائل المعارضة ما يمكن وصفه بالمفاجأة، أن عليهم الاستعداد للعودة إلى كثير من المواقع التي احتلها جيش الأسد بريف اللاذقية، وكان رجال أعمال سوريين تحدثوا عن طلب تركي بالتحضير لتشغيل ميناء بحري، وأعطيت إشارات تركية للمهجرين من ريف اللاذقية للاستعداد للعودة إليه.

ليس هذا وحسب، بل تحدث الأتراك عن خطوة قادمة تتمثل في العودة إلى مدينة حلب، دون توضيح آلية ذلك، رغم ترجيح فكرة إدارة روسية تركية للمدينة، لا سيما أن الإيرانيين باتوا مرغمين على حزم حقائبهم، والغاية من ذلك فتح الأوتوسترادات الدولية التي تعبر المدينة إلى الساحل ودمشق وبالتالي البحر والخليج العربي.

بالتأكيد، هذه المعلومات ليست يقينا، ولكنها لا تتناقض مع النسق العام لحديث النظام وروسيا، الأمر الذي يرجح مصداقيتها، وقد سبق لروسيا أن أعلنت مرارا عن رغبتها بفتح معبر كسب وإدارته مع تركية، وبهذا يكون الأتراك قد كسبوا بالتبادل ميناء في قرية "السمرة" أو منطقة "البسيط" يديره فصيل متأسلم وتجّار كذلك.

إنه في ظاهر الأمر اتفاق مُرضٍ، ولكنه يمهد لجمهورية الشمال المستقلة مكتملة الأركان والتبعية للأتراك، يبدو الحديث فيه سهلا، لكن دونه الرفض الإيراني، الذي تتولى إسرائيل مع أمريكا معالجته، وكذلك الفصائل الجهادية المتطرفة التي رفض بعضها الاتفاق "المعلن" ولم يعلّق بعضها عليه، وهنا يأتي الدور على تركية التي سربت لقادة الفصائل المعتدلة المواقفة "قسرا" على الاتفاق بأنها ستضغط على المتشددين في هذه الفصائل للمغادرة، ومن يرفض سيكون مصيره الاعتقال أو الاغتيال، وإن لم يستوِ الأمر فعلى المعتدلين قتالهم بمساعدة تركية، لمنع روسيا والنظام من التدخل العسكري في المحافظة.

الغرب وافق على الاتفاق ظاهره وباطنه، وبدأ مرحلة التمهيد لعزل الأسد، تحضيرا للمرحلة القادمة، حيث أُعيد فتح كثير من ملفات إجرامه إعلاميا وفي المؤسسات الرسمية في كل من كندا وأمريكا، وكذلك بريطانيا التي تعتبر سياستها ترمومتر الأحداث القادمة. 

لن يفصح رئيسان لدولتين كبيرتين عن تفاصيل مباحثاتهما، وسيكتفيان بالخطوط العريضة، ولكن الخشية أن بين سطور التفاصيل ما هو أكبر وأعظم شأنا مما أعلناه، ولكن المدنيين في إدلب بأمان مشروط من العدوان الخارجي مؤقتا، وعليهم أن يتحملوا "فوق كل ما تحملوه" عبء نزع هيمنة "الإرهابيين" عن كاهلهم الذي لن يكون يسيرا، فلا تزال الشوارع مرشحة لتدفق الدماء.

*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
(118)    هل أعجبتك المقالة (114)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي