نال فيلم "لسه عم يسجل" (Still Recording) الأول للمخرجيْن "سعيد البطل" و"غيّاث أيوب" خمس جوائز خلال مهرجان "فينيسيا" السينمائي الدولي في إطار "أسبوع النقاد" لتكون خطوته الأولى نحو المهرجانات العالمية، ومنها جائزة الجمهور الرئيسية وجائزة المونتاج، وثلاثة جوائز أجنبية: (إديبو ري أوارد)- (فيفر دا سبورتيفو إل فير -جائزة فيبريسكي المرموقة، وهي جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما، ويحكي الفيلم وهو من النوع الوثائقي الطويل قصة سعيد (مخرج العمل) الذي يغادر دمشق إبان اندلاع الثورة السورية عام 2011 متوجهاً إلى "دوما" الخارجة عن سيطرة الأسد، من أجل أن يعلّم شباب الغوطة الشرقيّة قواعد التصوير، ولكنّ الحقيقة التي يواجهونها هناك هي أقسى من أن تخضع لأيّة قاعدة. وأوضح مدير تظاهرة (أسبوع النقاد) في المهرجان الناقد السينمائي الإيطالي "جونا نازارو" سبب اختياره الفيلم ضمن المسابقة الرسمية قائلاً: "أنا اليوم في غاية السعادة أن يكون الفيلم في برنامجي، لأنّه على الرغم من سيل المشاهد القادمة من سوريا، فإن رؤية هذا الفيلم ستبدل تماماً كلّ ما نعتقد بأنّنا نعرفه عن سوريا، لأنّ سوريا التي نشاهدها في الفيلم، سوريا كما هي على حقيقتها، وهي أمرٌ آخر مختلف تماماً".
وكان "سعيد البطل" وهو من مواليد طرطوس 1988 قد درس التصميم الميكانيكي في كلية "الهمك" بجامعة دمشق قبل بداية الثورة واعتقل مع بدايتها لأول مرة في 25/ 3/ 2011، وبسبب ظروف الحرب انقطع عن الجامعة.
وكان كما يروي لـ"زمان الوصل" شغوفاً بتنظيم المظاهرات في مختلف مناطق دمشق وريفها من "مضايا، دوما والزبداني"، وتمكن من توثيق مجزرة "دوما" الكبرى التي ارتكبها النظام بداية الحراك السلمي 26/6/ 2012 ومنذ ذلك الحين -كما يقول- أحسّ بقيمة الكاميرا، ولمس دورها في توثيق ما يجري، والتحق آنذاك بدورات للتصوير الاحترافي والعمل الصحفي المدني في مدينة بيروت.
وبدأ بتعليم شبان الغوطة أصول التصوير بالتعاون مع تنسيقية "دوما"، وانضم صديقه "ميلاد أمين" خريج كلية الفنون الجميلة إلى سعيد في "دوما" المحاصرة، وأنشآ سويّة إلى جانب أصدقاء آخرين، محطّة راديو محليّة واستوديو تسجيل.
مع بداية تحرير مدينة "دوما" كان الحدث أكبر بكثير من المخرج الشاب الذي لم يكن يعرف ما لذي يجب توثيقه فأخذ الخيار الأسهل -كما يقول- وهو عدم إطفاء الكاميرا، ومنذ ذلك اليوم لم تتوقف الأحداث -حسب قوله- وظل محافظاً على نفس النظرية وهي أن تكون الكاميرا حاضرة ليس في موقع الحدث فحسب، بل قبل أن تصل وبعد أن تذهب، وتمكن البطل وعدد من رفاقه الناشطين ومنهم "غيث ورأفت بيرم وتيم السيوفي" من تصوير حوالي 500 ساعة تصوير.
وفي شباط فبراير/2015 تعرض المكتب الذي يعملون فيه لغارة جوية فأتلف الأرشيف المحفوظ فيه، ومن حسن حظهم -كما يقول- أنهم كانوا يحتفظون بنسخة ثانية لما تم تصويره فقرروا تهريبها إلى "برزة" انطلاقاً من أن هذه المواد تمثل جزءاً من الثورة وحقاً لأبنائها ويجب الحفاظ عليه.

وتابع المخرج الشاب واصفاً عملية تهريب المواد الخام للفيلم التي كانت محفوظة -كما يقول- في 7 هاردات بطريقة سرية عبر الأنفاق، وهناك فوجئوا بأن بعض الملفات كانت معطوبة نتيجة سوء النقل، وبعد مرور سنة تمكنوا من نقل الهاردات ثانية إلى بيروت بطريقة معقدة وبمنتهى الخطورة -حسب قوله- لأن النظام يعتبر الوثائق التي تدينه أخطر من السلاح وتهريب المخدرات.
في بيروت عكف البطل مع شريكه في الإخراج "غياث أيوب" على إنجاز الفيلم من المواد المنقذة، حيث احتاجوا لسنتين من الإنتاج اليومي المتواصل للوصول إلى نسخة الفيلم الحالية، ولجؤوا -حسب قوله- إلى عملية تصفية بطيئة جداً، اضطروا فيها لحذف المقاطع المتشابهة والقصص المكررة ليصلوا إلى أول نسخة وهي عبارة عن 10 ساعات قبل أن يتم تقليصها إلى ساعتين وهي مدة الفيلم المنجز، ولفت محدثنا إلى أن فيلمه بنسخته النهائية أُنجز قبل 10 أيام من مهرجان "فينيسيا"، ويعد هذا المهرجان هو الإطلاق الأول له، مشيراً إلى أن هناك مشاركات قادمة في العديد من المهرجانات السينمائية كمهرجان روما بإيطاليا وبرلين ومهرجان تشيلي للأفلام الوثائقية.
وعبّر مخرج الفيلم عن امتنانه للسوريين الأحرار الذين أتاحوا له ولغيره من الفنانين الشباب تحقيق أحلامهم البسيطة التي كانت تقتصر على حمل كاميرا والمشي في الشارع لتوثيق ما يجري في بلد كانت تحت سيطرة نظام مستبد، وفي وقت كان حمل الكاميرا بحد ذاته يُعتبر جريمة ويؤدي للاعتقال.
وأضاف أنه مع أبطال الفيلم كانوا شهوداً على تحول عظيم يحدث في سوريا وكانوا مجرد محظوظين بمكان وظروف تواجدهم ولذلك كان خيارهم الأول حمل الكاميرا وتوثيق ما يجري حولهم، وأثنى محدثنا على طاقم العمل الذين شاركوه نجاح الفيلم من سوريين وأجانب.
وتم إنتاج "لسه عم يسجل" من قبل مؤسسة "بدايات" ومؤسسة "رُسُل" بالاشتراك مع Films de Force Majeure،Blinker Filmproduktion وصندوق السينما العالميّة، المركز الفرنسي الوطني للسينما، إنتاج Ali Atassi، بالاشتراك مع جان- لوران سنيديس، مايك مارتن.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية