بالرغم من أن نيران الحرب في سوريا ما زالت مستعرة، ولظاها يبتلع الأموات في باطن الأرض قبل الأحياء على ظهرها، بدأ يلوح في الأفق تململ الدول المستضيفة للسوريين من ما قالت عنه مرارا "أعباء" ملقاة على كاهلها، وبدا جليا من خلال بعض الإجراءات إعراض هذه البلاد عن قبول اللاجئين الفارين من الموت وجحيم الآلة العسكرية الفتاكة.
بوادر الإحجام عن قبول اللاجئين لم تظهر في قرارات علنية، بل من خلال حزمة من الإجراءات تلت جولات مكوكية قام بها وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" بين أوروبا ودول المشرق العربي، مطالبا بإعادة اللاجئين إلى ديارهم بحجة انتهاء الحرب.
فرنسا التي استقبلت آلاف اللاجئين، وفي جعبتها آلاف الطلبات ما زالت قيد الدراسة سواء في سفاراتها أو في "المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية (Office français de protection des réfugiés et apatrides) المخول بإعطاء قرارات اللجوء، يدور الحديث في أروقتها السياسية عن بدء تعامل جديد مع الملف السوري، وانتقاله من المرتبة الأولى على سلم الأولويات، إلى مراتب متراجعة، والحجة في ذلك أن هذا البلد (سوريا) بات آمنا في أجزاء كبيرة منه.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل يدور الحديث في أوساط اللاجئين عن إعادة النظر بقرارات سابقة، وعدم التجديد لحاملي الحماية الإنسانية، وهو ما قضّ مضجع الكثير ممن يعتبرون العودة إلى سوريا في الوقت الحالي هي "الموت المحتوم".
*جديد قرارات "الأوفبرا"
القانوني السوري "طارق الحصني" المتابع لقضايا اللجوء في المحاكم الفرنسية، أوضح أن "الجديد والخطير فيما يتعلق بقرارات "الأوفبرا (المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية)"، هو اعتبار الحرب في سوريا حربا من المستوى المعتدل بعد أن كانت تعتبر حربا عمياء تضر بجميع المدنيين".
وقال "الحصني" في حديث لـ"زمان الوصل": "سابقا كان يكفي المواطن السوري أن يثبت هويته السورية لكي يحصل على الحماية على اعتبار أن سوريا كانت بنظر (الأوفبرا) دولة بحالة حرب عمياء تشكل خطرا على المدنيين بمجرد وجودهم فيها.
أما اليوم فـ(الأوفبرا) بدأت تعتبر أن الحرب بسوريا معتدلة أي أنها لا تعني جميع الأشخاص والمناطق وبالتالي يجب على طالب اللجوء إثبات أن الوضع الراهن في سوريا يشكل خطرا على حياته بشكل شخصي على سبيل المثال (عمليات القصف في منطقته أوعمليات التشبيح والخطف)".
وأرجع "الحصني" الأسباب التي دفعت السلطات الفرنسية لاتخاذ هذه الإجراءات بالرغم من أن الخطر الذي يهدد السوريين ما زال قائما، لعدة عوامل أهمها "الدعاية التي يقوم بها النظام عن طريق قنواته والقنوات الفضائية المؤيدة، والقول إن الحياة في سوريا أصبحت طبيعية، والسوريين في الخارج لم يعودوا بحاجة الحماية.. هنا تكمن المشكلة التي تشغل تفكيرنا حقا هي أن يكون الموضوع ناتجا عن تأثر السياسة الفرنسية بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس الفرنسي ماكرون بمعنى آخر أن تقول فرنسا أمام العالم بأنها لن تعيد اللاجئين إلى سوريا، وتتبع في نفس الوقت سياسة رفض القرارات لدفع السوريين الجدد للعودة".
وأكد "الحصني" على أنه تم بالفعل رفض قرارات بعض السوريين القادمين من مناطق مستقرة نسبيا مثل دمشق وحلب واللاذقية وتم الاستئناف بالقرارات أمام محكمة اللجوء التي لم تبت بالموضوع بعد.
وقدم القانوني السوري نصيحة لطالبي اللجوء بالابتعاد عن الحديث بالأمور الصحية وغلاء المعيشة في سوريا، والبدء بالحديث عن وضع المنطقة من ناحية الحرب والاختطاف والمعارك القريبة، وأن يراجعوا تاريخ منطقتهم في سوريا لمعرفة من كان يسيطر عليها لحظة وجودهم واليوم، وفي حال حصلوا على رفض عليهم الاعتراض أمام محكمة اللجوء بأسرع وقت والتواصل مع المحامي المسؤول عن الملف لشرح كافة المخاطر الواقعة عليهم في حال العودة لسوريا.
*الحماية تتفوق على اللجوء
وأشار "الحصني" إلى أن بعض الأرقام الصادرة عن "الأوفبرا" تؤكد انخفاض وتيرة منح اللجوء بدرجة كبيرة خاصة بعد أن وصل عدد المحميين (السوريين) لأكثر من عدد اللاجئين منهم لأول مرة في عام 2016 بعد أن كان عدد الحاصلين على اللجوء أكثر من الحاصلين على الحماية من السوريين في السنوات السابقة:
2012: 126 لاجئا، و114 حماية.
2013 : 474 لاجئا، و361 حماية.
2014 : 884 لاجئا، و520 حماية.
2015 : 1587 لاجئا، و735 حماية.
2016 : 1916 لاجئا، و1941 حماية.
2017 : 1051 لاجئا، و2446 حماية.
وأفاد "الحصني" أن الجهة المتخصصة بالطعن بقرارات "الأوفبرا" هي "محكمة اللجوء الوطنية "La Cour Nationale du Droit d’Asile" وهي المتخصصة بالطعن في قرارات الأوفبرا إن كان ذلك يخص سحب الحماية أو رفض اللجوء، أما بالنسبة لسحب الإقامة والترحيل من قبل "البريفكتور" فالمحكمة المسؤولة عن الطعن في هذه الحالة هي المحكمة الإدارية.
وقال: "في عام 2017 أصدرت المحكمة 912 قرارا منها 448 رفض الطعن، و438 منحوا صفة اللاجئ أي إقامة 10 سنين، 26 شخصا كانوا مرفوضين من الأوفبرا حصلوا على الحماية عن طريق المحكمة.
في معرض حديثه لفت "الحصني" إلى ضرورة التفريق بين مصطلحات الشارع والمصطلحات القانونية، ففي القانون لا يوجد ما يسمى "لجوء سياسي ولجوء إنساني".
وأوضح بالقول: "القانون يتحدث عن اللجوء وهو حماية لمدة عشر سنوات تجدد تلقائيا تمنح وفق معاهدة جنيف، بسبب الاضطهاد الواقع على الشخص في حال العودة لبلده بسبب رأيه السياسي أو دينه أو عرقه أو انتمائه لفئة معينة من المجتمع....إلخ، وعن حماية فرعية تمنح للأشخاص الواقع عليهم خطر شخصي لسبب بعيد عن الأسباب المذكورة بمعاهدة جنيف كحكم الإعدام أو الخطف أو التعذيب أو وضع الحرب الذي يهدد حياة المدنيين ومدتها سنة وتجدد لسنتين عند كل تجديد ووفقا للقانون الجديد ستمنح لـ4 سنوات (علما أن القانون الجديد لم يدخل حيز التنفيذ)".
وشدد على أن "وضع اللجوء لا علاقة له بوضع الحرب في الدولة ومن كان يستحق اللجوء قبل اليوم يستحق اللجوء اليوم مع القرارات الجديدة، حيث إن وضعه غير مرتبط بالحرب".
وعن عمليات الترحيل للاجئين السوريين قال "الحصني": "ليس في القريب العاجل ولكن عند إعلان سوريا كدولة خالية من المعارك والحرب سيصبح بإمكان البريفكتور اتخاذ قرارات ترحيل بعد رفض الأوفبرا، أما بالنسبة للترحيل بعد سحب الحماية فالبريفكتور يدرس أولا إمكانية منح الشخص إقامة من نوع آخر إن كان مستوفيا للشروط كإقامة الطالب أو العامل أو التاجر ...الخ".
محمد الحمادي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية