أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لا تتركوا إدلب.. وحيدة فؤاد حميرة*

من مظاهرات إدلب - جيتي

نجح النظام على ما يبدو في تطويق الحراك الثوري وحصره في أضيق زاوية ووضع ما تبقى من هذا الحراك تحت الوصاية التركية بمعنى أن أنقرة هي المسؤولة عن ضبط ولجم الأعمال المعادية للنظام في المنطقة التي يسيطر عليها في إدلب وفقا لجداول مناطق خفض التصعيد، وأعلم أن هذا الكلام قد يثير حفيظة البعض وحنق وثورة البعض الآخر، ولكن الوقت لا يسمح بمزيد من المجاملات ولا يحتمل التعامل مع الأمر بمداهنة ومواربة.
أعتقد أن خطة خبيثة قد تم إعدادها في إدلب أو أن نظام الأسد يجد في كل خطوة معادية ما هو في صالحه مهما بدت هذه الخطوات كارثية على نظام حكمه.

يجتمع عاملان رئيسيان خلف تكوين قناعاتي فيما يختص بإدلب والفائدة التي سوف يجنيها النظام إن انتهى الوضع على ما تم الاتفاق عليه بين موسكو وأنقرة، ففي البدء كان القانون رقم عشرة المتعلق بالملكية وإثبات الملكية وقد قيل وقت صدوره الكثير عن أن المقصود من هذا القانون هو إحداث تغيير ديمغرافي –وكان القول محقا في الواقع– ذلك أن ملايين من المهجرين واللاجئين خارج سوريا أو في داخلها وهم في غالبيتهم العظمى من السنّة لن يتمكنوا من إثبات مليكتهم لعقاراتهم وأراضيهم بسبب بعدهم مئات بل وآلاف الأميال عن تلك المناطق في دول اللجوء، ولأن كثيرا من دوائر المصالح العقارية قد تعرضت للحرق وأن كثيرا من الوثائق تم إتلافها بفعل المعارك والقصف وأحيانا بفعل متعمد. عد إثبات الملكية يعني حتما الأراضي ستذهب إلى الدولة دونما حتى التعويض على أصحاب الممتلكات في حال كانت مشمولة بمناطق ما أسماه النظام مناطق إعادة الإعمار.

ولا تتوقف الكارثة عند هذا الحد، فالقانون ذاته ينص على أنه حتى لو تم إثبات الملكية فإن أمام المالك ثلاثة خيارات إما الحصول على أسهم في منطقة إعادة الإعمار، وهنا ستحدد الدولة سعر العقار القديم المشترى من المالك وسعر العقار الجديد المباع له، والخيار الثاني هو أن يقوم من استطاع بإثبات ملكيته ببيع أسهمه وهنا أيضا ستحدد الدولة سعر الشراء والخيار الثالث أن يقوم المالك بتأسيس شركة استثمارية وطبعا هذا خيار شبه مستحيل فمن أين للملاك ومعظمهم من الفلاحين والفقراء أن يؤسسوا لمثل هذه الشركات.

إن ذلك يعني سيطرة الدولة على مساحات واسعة من أملاك السنة المهجرين وتوزيعها وفق مصالحها، فالنظام طبعا سيوزع هذه الأسهم والعقارات على مؤيديه أولا، ومن ثم على من ناصره في حربه من الميليشيات الشيعية وعائلاتهم كتعويض عن دورهم في الحرب ليكون بذلك بقاؤهم في سوريا أبديا وتتحقق واحدة من خطوات النظام المدروسة بدقة نحو إحداث تغيير ديمغرافي أزلي في التركيبة السكانية السورية.

إن المعلومات الواردة من ريف دمشق وعلى لسان من عاد إلى أملاكه وأراضيه تؤكد وجهة نظرنا ذلك أن الرشاوى المرتفعة التي يطلبها الموظفون لقاء السماح بالعودة والمضايقات التي يتعرض لها العائدون كلها تؤكد أن النظام يريد فعلا استبعاد الملاك عن أملاكهم وأرزاقهم ودفعهم للعودة من حيث أتوا وكذلك لجم الرغبة في العودة عند الذين يفكرون في ذلك.

المؤشر الثاني هو ما يمكن أن يحققه النظام من فوائد بعد الاتفاق الروسي – التركي على التهدئة في إدلب، ففي هذه المدينة يجتمع 3 ملايين سوري جميعهم من غلاة الحاقدين على النظام والمعادين له الذين رفضوا توقيع هدنات مع الجيش بمعنى أنهم أشد أعداء النظام شراسة واستعدادا للقتال حتى الموت على اعتبار أن إدلب هي آخر المحطات التي يمكن أن تصل إليها بندقية الثورة على الأراضي السورية. إن الاتفاق المذكور يعطي النظام فترة من الراحة مع ضمان أن الحراك سيبقى داخل إدلب ما يعني تطويقه ومحاصرته مع حملة إعلامية لشيطنة المنطقة بدعوى وجود عناصر لداعش والقاعدة ووجوب محاربة الإرهابيين.

ولقد بدأت أصوات تعلو في صفوف المعارضة وهي – على قلتها – أصوات مريبة ومخيفة حقا تدعو إلى ضم إدلب للدولة التركية ولقد فسر البعض رفع الأعلام التركية في المظاهرات تحت هذا البند وإن كنت أرى شخصيا أن رفع العلم قد لا يعني ذلك على الإطلاق، إلا أن الحذر واجب فانضمام إدلب إلى تركيا يعني تنفيذ الخطوة الثانية في مشروع النظام بإحداث تغيير ديمغرافي فيتخلص من 3 مليون سني من أشد معارضيه إضافة ملايين السنة في دول اللجوء واستقدام مئات ألاف من شيعة العراق ولبنان وافغانستان إلى سوريا يندرج في إطار تنفيذ ما نوى النظام على فعله، فإذا أضفنا إلى ذلك ما ذكرناه سابقا عن موضوع القانون 10 تصبح الخطة واضحة بانتظار التنفيذ وبانتظار عثرات وأخطاء جديدة ترتكبها المعارضة العتيدة والتي لم تتوقف عن تقديم الخدمات الجليلة للنظام منذ انطلاقة الثورة وحتى اللحظة.

هي دعوة للصحوة وإدراك ما يحاك لبلدنا من مؤامرات قد تغير وجهه للأبد وما نحتاجه صحوة ضمير وصحوة عقل قبل كل المشاعر والعواطف وينبغي العمل بسرعة على عدم ترك إدلب وحيدة في مواجهة الأفخاخ المنصوبة لها.

*من كتاب "زمان الوصل"
(161)    هل أعجبتك المقالة (170)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي