أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لقطة سريعة في الفيلم السوري الطويل*

أرشيف

هل ستعاقب روسيا إسرائيل كما ادعى رئيسها ووزير دفاعها رداً على إسقاط الطائرة الروسية في البحر المتوسط ومقتل طاقمها من ضباط وجنود، وهل سيكشر القيصر الروسي عن أنيابه أخيراً ويبرهن للعالم أنه الأقوى والمسيطر على الأرض والسماء الروسية؟.

هل يحسب الإسرائيليون حساب هذا التهديد، ويأخذونه على محمل الجد خصوصاً أن الضربة كانت قاسية هذه المرة، والأهداف المستهدفة كانت تحت الوصاية المباشرة للروس، وفي عمق الحاضنة الشعبية والعسكرية التي يرى فيها الروس منطقة نفوذ استراتيجية بسبب تواجد قواعدها في الشرق الأوسط؟.

لماذا يخشى محللو النظام الاستراتيجيون مما حصل، وبعضهم شكك حتى بقدرة الروس على الرد، واعتبروا أن ترديدهم لعبارات (حق الرد في الوقت المناسب) و(الإدانات الهشة)، ما هو إلا صدى لما كان يفعله النظام على مدار أربعة عقود في كل مرة تقوم فيها إسرائيل بعمل عدواني على الأراضي والقطع العسكرية السورية؟.

كل هذه الأسئلة الحائرة تبدي مدى الحرص -الذي تسعى إليها كل الأطراف المتنازعة في سوريا- على الرضا الإسرائيلي، وتجنب إزعاج دولة الكيان، أو السعي لتهديدها سواء عسكرياً أو التأثير على تسيدها للقوة الضاربة في المنطقة، وهذا ما سعت إليه روسيا المفوضة بالشأن السوري طوال سنوات تدخلها المعلن في سوريا، والتنسيق عالي المستوى عبر الخط الأحمر بين القيادتين العسكريتين في كلا الطرفين.

بدورها إيران القوى الثانية المسيطرة على الأرض السورية، والتي نشرت ميليشياتها وحرسها الثوري في جسد الدولة السورية، وتجند لصالح مشروعها قوتها العسكرية، وفلول المرتزقة من كل بقاع الأرض، ألا تسعى هذه القوى لعدم استفزاز إسرائيل بالرغم من كل الضربات القاسمة الإسرائيلية لأذرعها على الأرض، وتكتفي فقط برفع شعارات الموت لإسرائيل، واستعراض صواريخها التي ستجعل من تل أبيب أثراً بعد عين؟.

أمريكا القوى الأعظم ألا تفعل كل ما تفعل لأجل تحقيق الحلم الإسرائيلي في دولة دينية محضة، وتنفيذ صفقة القرن التي تصفي من خلالها حقوق الفلسطينيين في العودة، وإعادة نثرهم على كامل الجوار العربي، وإنهاء أحلامهم بدولة ولو على أطراف الوطن السليب، ودفع العرب سواء علناً أو من تحت الطاولة للتطبيع مع إسرائيل، والتعايش معها وبرعايتها؟.

النظام المعني بحماية التراب السوري ألم يكن أكبر الصامتين على الصفعات الإسرائيلية، والساعي دوماً لعدم توريط نفسه في معركة خاسرة يدرك أنها قد تقوّض وجوده وسيطرته على كرسي الحكم الذي دفع مقابله دماء مئات الآلاف من السوريين.

إسرائيل الأكثر وضوحاً في مشروعها السوري الآن ستضرب مجدداً إن شعرت بخطر يهدد حدودها التي رسمها مؤسسوها، وستحمي أيضاً عملاءها المنتشرين على الأرض السورية الذين تعهدوا لها بالأمان والطاعة، وسيمر مشهد إسقاط الطائرة الروسية في البحر كلقطة عابرة في الفيلم السوري الطويل لن يتوقف عنده أحد أكثر من وقت اشتعالها في البحر مع جثث طاقمها المتناثرة على سطح المتوسط.

*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
(186)    هل أعجبتك المقالة (177)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي