أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"يوسف زيدان" يتحدث في (فقه الثورة)*

زيدان

منذ مقدمة كتاب الباحث والروائي المصري يوسف زيدان ستجد نفسك مضطرا للخلاف معه، ولا أظنه يمانع في ذلك، بل لنقل منذ عنوان الكتاب حتى (فقه الثورة) فبالرغم من أن زيدان يحاول إثبات أن كلمة (فقه) ليست مختصة بعلوم الشريعة والدين، إلا أن لغة الكتاب لا تخلو من لغة دينية -صوفية واضحة وتتردد عبر الصفحات عبارات وكلمات اختص بها علم الفقه الشرعي كـ(الأصول) و(العمل الرشيد) أو في اختياره لكثير من العناوين الرئيسية والجانبية على مثال (انفطار القلب وسلب السلب)، ولا أعتقد إلا أن مثل هذه الكلمات قد تمت استعارتها من الدراسات الشرعية والفقهية الإسلامية.

النزعة الصوفية تستمر مع الكتاب واضحة في صفحة (وهذا ليس عيبا أو انتقاصا) ففي الفقرة الثانية من المقدمة يكتب زيدان "وللفقه الثوري أصول أو بعبارة أخرى القواعد الأساسية والمبادئ الحاكمة للحركة الثورية وهي قواعد معيارية سبعة يقاس بها الفعل الثوري الرشيد".

هذا على صعيد الأسلوب والذي يصر يوسف زيدان على أنه غير مرتبط بفكر شرعي مضمونا، ولكنه واضح الارتباط من حيث الشكل.
ويتابع المؤلف سرد "أصول الفعل الثوري الرشيد" فيقول في باب خاص إن الثورة لا تتم بشكل فجائي فـ"للثورة أطوار ومراحل منها ما يأتي سابقا للاستعلام الثوري ومنها ما يتلوه) ويحددها المؤلف في خمسة أطوار هي الظلم والاحتقان ثم التظاهر ويتلوه الانفجار وآخرها مرحلة التغيير.

يخلط هنا السيد زيدان وربما عن غير قصد بين الأسباب المؤهِّبة للثورات وبين توقيتها، فالثورة وفقا لرأيه لا تأتي بشكل فجائي وهذا صحيح وإنما الأطوار التي وضعها زيدان هي أسباب وليست أطوارا وليست مراحل أيضا وقد تجتمع جميعها في توقيت واحد أو تتراكم عبر الزمن ليأتي الانفجار كنتيجة للأسباب السابقة الذكر والتي يسميها زيدان أطوارا أو مراحل/ ثم أنك تحتاج إلى سبب مباشر أو لنقل الشرارة التي تشعل اللهب الخامد والكامن تحت رماد سنوات والصمت والصبر على الفساد والظلم والإقصاء وإنكار الأخر وقمع العمل السياسي المدني.

عبر الوصفة التي يقدمها السيد زيدان لأصول "الفقه الثوري" يقول إن الثورة "عمومية بالضرورة وهي مؤنثة"، وهو يرى أن الثورة يجب أن تكون ممثلة لجميع أطياف المجتمع ويجب أن يشارك بها كل أطياف المجتمع، إذ "لا يجوز أن تُنسب لفعل يقوم به فريق مخصوص أو طيف اجتماعي بعينه كالجيش أو الجماعات الدينية المسلحة أو الجماعات ذات الأثر الملموس في المجتمع، فمثل ذلك يسمى انقلابا وليس ثورة بالمعنى الدقيق للكلمة".

طيب ...وماذا عن الفئات المسحوقة والفقيرة (ولن أسميها طبقات كيلا أثير حفيظة البعض) هل ستشارك الفئات الظالمة في ثورة المظلومين عليها؟؟

فات السيد زيدان على ما يبدو أن الفئات التي تملك أو بمعنى آخر الطبقة الوسطى وما فوقها وما دونها بقليل لا تملك حماسة كافيه للقيام بعمل ثوري أو هي تجبن أساسا عن الرغبة في إحداث تغيير حقيقي خوفا على أملاكها فيما تكون الفئات التي لا تملك هي الأكثر مغامرة ذلك أنها لا تملك ما تخاف عليه سوى أرواحها وهي المستعدة أساسا للخوض في ثورات طلبا لتغيير الحال والواقع.

الشرط الثالث من أصول الفقه الثوري عند الباحث والروائي يوسف زيدان يكمن في عنوان رئيسي يقول فيه "الثائر لشرط شخصي لا يعوّل عليه" وملخصه -وفق زيدان- أن "الثائر الحق لا تحركه نوازع شخصية أو مطالب ذاتية"، وإلا فإنه في هذه الحالة يتحرك لتنفيس أزمة ما أو مطالب بمصلحة خاصة لا يلبث أن يهدأ في حال تحققت مطالبه. 

هنا أيضا يتجاوز المؤلف منطق الواقع ومنطق الثورة في محاولة منه لإعطاء الثورات صفة العمومية في المطالب متجاوزا حقيقة أن عمومية المطالب ليست إلا توحيدا لمجموع مطالب فردانية وذاتية وحتى العمومية ليست إلا تلاقيا لمجموع ذوات على مطالب ذاتية توحدت في جماعة تلاقت على وجوب تنفيذ هذه المطالب فالرغبة في التغيير هي رغبة ذاتية في الأساس تلاقت مع مجموع رغبات أخرى فاكتسبت صفة العمومية.

ثم يأتي دور المنظرين وقادة الرأي لصياغة تلك المطالب وتوحيدها قدر الإمكان لتصب في مصلحة الوصول إلى ما أرادته جموع (الذوات) واتفاقها على مطالب ذاتية الأصل. 

*فواد حميرة - من كتاب "زمان الوصل"
(173)    هل أعجبتك المقالة (168)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي