أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل يستقيل دي ميستورا أم يُقال؟*

دي ميستورا - أرشيف

في 11 تموز من العام 2014 سمّت الأمم المتحدة الدبلوماسي الإيطالي السويدي ستيفان دي ميستورا مبعوثا جديدا لها إلى سوريا عقب استقالة الأخضر الإبراهيمي الذي كان مبعوثا أمميا وعربيا، وكان سبقهما إبراهيم الدابي، وتركت له اختيار كادر يساعده في المهمة. 

ثلاثة أعوام ونصف كانت قد مرّت على الثورة السورية، وسقط حتى ذلك الوقت نحو نصف مليون ضحية من السوريين على يد جيش الأسد الذي لم يتورع عن استخدام كل أنواع الأسلحة في المقتلة، وانتظر السوريون عملا إيجابيا من المبعوث الجديد المخضرم، رغم أن سيرته الذاتية تحمل فشلا ذريعا في حلّ نزاعات في دول آسيوية وإفريقية قبل ذلك مثل لبنان وأفغانستان والعراق والسودان وغيرها، إلا أنه وبعد أربع سنوات من تكليفه بالمهمة أثبت الرجل إصراره على الفشل. 

تحدث عن أفكار ومشاريع عديدة للحل بدءا من الخطوات الجزئية القائمة على فكرة "منطقة بعد أخرى" فبدأ بحلب وفشل، وصولا إلى الهدن والمصالحات وخفض التصعيد، وكانت مؤتمرات جنيف وبعدها أستانة وسوتشي، وخلال كل ذلك ارتكب النظام والميليشيات الطائفية عشرات المجازر، وتدخلت روسيا لتزيد عددها بحجة مكافحة الإرهاب، حتى اقترب عدد من سقطوا من المليون.

يسجل المراقبون على دي ميستورا أنه يتحدث بصيغ مختلفة عند لقائه بممثلي النظام والمعارضة، وقد تكون هذه من متطلبات عمل الوسيط، لكنه في التنفيذ كان يتبنى الموقف الروسي الذي يقترب أو يتحد مع موقف الأسد، فتعامل مع الثورة السورية على أنها مطلبية من الأسد يناقشه فيها، متناسيا أن ملايين السوريين خرجوا مطالبين بتغيير النظام الديكتاتوري، ينشدون الحرية والكرامة والديموقراطية.

كان المبعوث الأممي شاهدا على جرائم الأسد وحلفائه، ولم يشر له يوما بصفته الإجرامية، بل دعاه، وهو من أثبتت لجان الأمم المتحدة استخدامه الكيماوي في قصف المدنيين، إلى جنيف للحوار مع المعارضة المغلوبة على أمرها، وبدل وضع مقررات جنيف التي تقضي بحكومة انتقالية كاملة الصلاحية ودستور جديد خلال عام ونصف موضع التنفيذ ماطل، وأوقف البحث فيما عدا اللجنة الدستورية التي بدورها أخذت مسارا جديدا عبر أستانة، وما أدراك ما أستانة؟!

يتحدث الرجل بالعموميات، أفكار، مشاريع، تمنيات، إنما لم يقم بعمل حقيقي يسجل له، وبعد كل فشل كان يخرج بطروحات جديدة تولد ميتة، ويعود ذلك لأنه في كل ما طرح كان الأقرب للمجرم ورعاته، وأبعد ما يمكنه البعد عن حقوق السوريين في الحياة والعدالة.

ومؤخرا، وكان شاهدا غير نزيه، وبعدما دخل النظام إلى المناطق المحاصرة في الجنوب والغوطة والمنطقة الوسطى وتهجير مئات الآلاف، راح يروّج للطروحات الروسية بإعادة المهجرين وإعادة الإعمار، ولكنه تلقى صفعة غربية مدوّية من خلال رفض عودة المهجرين والبدء بإعادة الإعمار مادام الأسد في السلطة، وهذا ما عبر عنه بيان اللقاء التشاوري الذي جرى في جنيف مؤخرا وشاركت فيه فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة إضافة إلى مصر والأردن والسعودية.

شارك دي ميستورا في اللقاء وخرج منه كسيرا بعد فشله في ترويج المشروع الروسي، ولم يعد بين يديه سوى ملف الدستور الذي لن يكون هذه المرة برعاية من الدول المشاركة في أستانة بل بعهدة الأمم المتحدة، وبهذا سيضطر لرمي كل الأوراق الروسية جانبا لعدم قدرته على تسويقها مع العودة القوية للغرب إلى ساحة القرار فيما يخص الحل بسوريا.

للإنصاف، الرجل مجرد موظف، وحيث يوجهه المدراء يولي وجهه، وكان الغرب قد فوَض روسيا سرا وعلانية بالشأن السوري، فكان لزاما عليه السير في هذا الركب، لكنه ملامح الحراك الغربي التي تمثلت بالوقوف بوجه الرغبة الروسية بدخول إدلب ورفض مشاريع الإعمار وعودة المهجرين تشير إلى أن مدة التفويض الروسي شارفت على الانتهاء، وبهذا عليه التكويع مجددا أو تنتظره الإقالة، ومن غير المستبعد أن يبادر للاستقالة إن أراد حفظ بعض ماء وجهه، وهو الذي سار في طريق طويل، وبات مطالبا بالعودة من حيث انطلق. 

قال السوريون، إن دي ميستورا شريك في القتل لأنه لم يتوجه بالإدانة إلى المجرم ولم يسمّه وضوحا، بل حاول على الدوام التمويه والتلطي خلف مقولة مكافحة الإرهاب، وبدل السعي لمنع المجرم من الاستمرار في القتل كان يتهم الضحية ويحاول خجلا إيجاد طريقة لإنقاذها، هذا قولهم، فماذا يقول ديمستورا الآن؟

*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
(108)    هل أعجبتك المقالة (112)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي