أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إنهم يغتصبون وجه دمشق الأبدي.. عبد الرزاق دياب*

الكاتب: من هذه البوابات السبع دخل العرب إلى أقدم مدن التاريخ

ما حصل في اليومين الفائتين من محاولة لإخراج أحد ممرات (باب شرقي) من تاريخ العاصمة دمشق ليس سوى محاولة بائسة لتغيير وجهها التاريخي بما يحمل من ألم للحاقدين على ذاكرتها التي توجعهم، وتنكأ ما يعتمل في صدورهم من حقد على مدينة أهانت بأسهم ذات يوم من على أعتابها.

من هذه البوابات السبع دخل العرب إلى أقدم مدن التاريخ، وبنوا فيها أول حضارة عربية خالصة، ومنها انطلقوا إلى العالم، ويثبتوا أنهم ليسوا أكلة أربابهم، وعبدة الرمل والغزوات، وأنهم قادرون على لباس الحضارة، وأنهم لن يبقوا على تبعيتهم الفارسية الرومانية، وأن لهم دورا في هذا البناء الإنساني الكبير.

والعبث بتاريخ المدينة وديموغرافيتها لم يكن وليد الحرب التي ما زالت مستعرة في سورية، وإن بدت الفرصة مواتية أكثر من ذي بل للنيل منها، ولهذا يعود جس نبض الشارع الشامي والسوري مرة أخرى عبر حادثة تملص منها فاعلوها بلصق التهمة بأفراد وليست مؤسسات تعطي التعليمات في بلد لا يعطس المواطن فيه دون موافقة أمنية.

قبلها بحوالي شهرين عادت محافظة دمشق إلى موالها القديم بإعادة استملاك حي (الحمراوي) التاريخي، والسماح لمرتزقة المال بتحويله إلى ماخور أو فندق ومجموعة أبنية لتخديم السياحة الدينية، وقبلها هدموا السوق العتيق بدعوى عدم مرجعيته الأثرية، وسوى ذلك من إثارة الفزع لدى أبناء العاصمة ليتركوا مدينتهم القديمة للطارئين من أبناء النعمة المستحدثة ليبنوا مطابخهم ومراقصهم في المدينة القديمة التي تم إهمالها عن قصد ليكون مصيرها إما بين أيديهم أو تسقط وحدها من تعب القرون.

بنفس الطريقة المعهودة ما زال هؤلاء يعملون على تلمس ذاكرة السوريين، ويدفعهم في ذلك ظنهم بأن الخوف من الموت والاعتقال يساعدان على الصمت على ما هو أعظم، ولذلك ذات يوم من حوالي عشر سنوات استفاق سكان جوار مقام صلاح الدين على سرقة عمودين أثريين، وموافقة تم فضحها لبناء (نزل) أمام المقام، وهذا ما لم يتم لأن صوت الناس كان عالياً في أن هذا تجاوز على دمشق بتاريخها وبشرها.

في نفس الآونة طرحت المحافظة عبر مرتزقتها مشروع الطريق المستقيم الذي يذهب بكل ما في حي العمارة من أبنية تجاور سور المدينة القديمة، وهذا برعاية من مرتبطين بالمستشارية الإيرانية بدمشق كما همست لي في وقتها إحدى المهندسات، وأن السبب هو تفريغ محيط (السيدة رقية) لأجل عيون الحجيج السياحي الإيراني.

وأما الأهم من الحجارة -كما يهمس البعض في كون الأرواح أكثر قدسية- هو العبث بالمكون البشري الدمشقي الذي يحمي هذا الإرث التاريخي، وطرده وإحلال مكون حاقد يساهم في نزع هذا التاريخ، وصناعة ذاكرة جديدة لا تحمل سوى شعارات الموت والسواد والثأر، واستنهاض قيّم الدم واللطم والمظلومية التاريخية، وأما القادم فهو أعظم إن طالت غفوة عاشقي تلك البوابات وسوارها.

*من كتاب "زمان الوصل"
(182)    هل أعجبتك المقالة (182)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي