المرتزق عبد الباري عطوان وإدلب.. فؤاد عبد العزيز*

عندي صديق في إدلب، من أيام الدراسة الجامعية، منذ أكثر من شهرين وهو يتصل بي ليسألني: برأيك ما هو مصيرنا في إدلب؟
ما أسهل هذا السؤال وما أصعبه بنفس الوقت..!
بكل بساطة أستطيع أن أقول له: نفس مصير الغوطة ودرعا وغيرها من المدن.
لكن عندما أتذكر أنه يسألني من أجل أن يتدبر أمور أهله وأسرته وأولاده، لأنه يعيش في عين العاصفة بحسب وصفه، فإنني أشعر بمسؤولية كبيرة، اتجاه كل كلمة سأقولها .. وفي النهاية وجدت أن الجواب الأسلم، هو أن أقول له في كل مرة: والله لا أعلم.
بكل الأحوال، على مدى الأيام الماضية، شاهدنا وقرأنا عن الكثير من التحشيدات العسكرية التي يقوم بها النظام والروس والإيرانيون، تحضيرا لمعركة إدلب، كما واستمعنا للكثير من التحليلات، والتي كان أبرزها للمرتزق عبد الباري عطوان، الذي ذكرنا بأن الروس لديهم خبرة كبيرة في تدمير المدن والبيوت فوق رؤوس ساكنيها، كانوا قد استمدوها من خلال حربهم على جمهورية الشيشان، وعاصمتها غروزني، التي قتلوا فيها لوحدها أكثر من 100 ألف مدني حسب قوله.
ثم خرج عطوان في تسجيل آخر، ليضع لنا الخطوط العريضة لهذه المعركة ، من حيث البداية والمسار والنهاية، وبشرنا كذلك بأن بشار الأسد لا بد أن يصدر عفوا عاما عن كل أهالي إدلب، قبل انطلاق المعركة، وذلك حتى يفسح المجال لكل من يرغبون بالعودة إلى حضنه، ويتجنبون الإبادة الجماعية المقبلين عليها.
عطوان بلا شك، هو صوت رخيص للآجار، خالٍ من الفكر والمنطق والأخلاق، ومن يستمع لكلامه وتحليلاته عن إدلب تحديدا، يظن بأن ثأرا شخصيا يربطه بهذه المدينة، وهو ما يجعله اليوم يطالب بإبادتها بحجة ضرورة عودتها إلى سيادة "الدولة السورية" الروسية.
لأنه لا يمكن تفسير هذا الكم من الإجرام الموجود في كلام عبد الباري عطوان، سوى بهذه الطريقة التي تناسب منطقه الجديد.. وهو على فكرة، منطق تبناه منذ نحو العام، عندما فاجأنا جميعا بأنه يقف إلى صف المجرمين، بشار الأسد والخامنئي وبوتين، بدعوى أن هؤلاء يحاربون الإمبريالية الأمريكية التي تقف إلى جانب إسرائيل، لكن المتابع لمسيرة عطوان، يعرف أنه كان على الدوام أداة للاستخدامات السريعة مقابل المال، مستفيدا مما منحه الله من موهبة الأسلوب الغوغائي البسيط المحبب إلى الناس العاديين.
وقد استثمر كثيرا في هذه الموهبة إلى أن أصبح مملا ومقرفا، ثم حطت به الأيام حتى أجلسته في أحضان أرذل الدول، وممن لا يدفعون سوى القليل من المال، ويطلبون المزيد من الجهد، فكان أن ظهر في الصورة التي هو عليها اليوم.
نأسف أننا نستخدم كل هذا الكلام في وصف عبد الباري عطوان، الذي كنا نتمنى أن ينهي ما تبقى من عمره وحياته، محافظا على الحد الأدنى من محبة الناس له، ولا أحد منا يستطيع أن ينكر، أنه كان في يوم من الأيام صوته المرتفع الذي كان ينطق به في المحافل الإعلامية الدولية، لكن وكونه اختار هذه النهاية الرخيصة، فإنه يستحق اليوم وصفنا له بالمرتزق والمأجور، وهو، لعمري، أضعف الإيمان.
وبالعودة إلى إدلب، أقول لصديقي الذي يطالبني أن أضعه بصورة الأوضاع الحقيقية، من أجل أن يتصرف على أساسها، بينما يعتقد بأنني مطلع أكثر منه على خبايا السياسة الدولية، أقول له: أقسم لك أنني عن جد لا أعرف شيئا، لكنني قرأت وسمعت في الأيام الأخيرة، أن أهالي إدلب، وبعد أن استمعوا لتحليلات عبد الباري عطوان المرعبة، التي تتوعدهم بالإبادة، أنهم وكلوا أمرهم إلى الله، وهو حسبهم في كل شيء، وأعلنوها بصوت مرتفع أنه لن يصبهم إلا ما كتب الله لهم .. لهذا هم مستمرون في حياتهم العادية، يصنعون المكدوس والمحمرة وينتظرون موسم الزيتون بعد أشهر قليلة، بفارغ الصبر، من أجل أن يحولوه إلى زيت، ولعل ذلك أفضل تحليل يمكن أن تستمع إليه عما سيحصل في إدلب ..!
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية