مرّ موضوع فشل عقد القمة الرباعية حول سوريا بهدوء وسلاسة ولم يتطرق إليه أحد وصار التركيز على نتائج القمة الثلاثية في طهران هو الحدث الأبرز لما أبرزته من تباين في مواقف البلدان الثلاثة (روسيا -تركيا -إيران) وابتعاد في المصالح، الأمر الذي بدا واضحا في تصريحات قادة الدول الثلاث خلال القمة التي تم نقلها على الهواء مباشرة في بادرة جديدة وغير مسبوقة.
كانت تركيا قد أعلنت الشهر الماضي عن قمة رباعية تضم روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا في خطوة واضحة تهدف إلى إبعاد الإيرانيين عن القمة ومحاولة جديدة لتحجيم دورهم ونفوذهم في الملف السوري غير أن الجهود التركية لم تنجح في عقد اللقاء ويبدو أن موسكو أيضا لم تكن متحمسة للأهداف التركية الواضحة والرغبة بإبعاد طهران ولقد تجلى الفتور الروسي حيال اللقاء الرباعي في ردود الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف على أسئلة الصحفيين حول مصير القمة الرباعية فقال ببرود مستفز: لست سكرتير الرئيس رجب طيب أردوغان وعليكم أن تسألوا الزملاء الأتراك عن الموضوع إذا كنتم تريدون معرفة نتائج جهودهم.
حاول أردوغان الالتفاف على الدور السياسي الروسي المحوري والقائد لكل التفاصيل في الملف السوري فدعا ذاته إلى قمة رباعية تضم ألمانيا وفرنسا، إضافة لروسيا مع تركيا، لكن دعوة اردوغان قوبلت بالتجاهل من قادة الدول الثلاث رغم الجهود التي بذلتها الديبلوماسية التركية بهدف جعل عقد تلك القمة أمرا ممكنا، فلا أحد يريد للطيب أن يعود لمكانته البارزة في المنطقة وملفاتها بعد أن بدأ يخسر بعض أوجهها، إضافة إلى أن كلا من باريس وبرلين غير معنيتين بالتنسيق مع الروس فيما يتعلق بالملف السوري وبالرغم من أن القمة لتعقد فإن موسكو أدركت أبعاد خطوة أردوغان وأهدافها.
استمر برود العلاقات بين موسكو وأنقرة حتى في القمة الثلاثية التي ضمت بوتين واردوغان إلى جانب روحاني، وبدا جليا أن الأطراف الثلاثة تجتمع على أجندات وأفكار ومصالح ثلاث إن كان الموقف الروسي أقرب بكثير إلى الموقف الإيراني وبرز الموقف التركي متمايزا برغم بعض التنازلات التي قدمها الطيب للروس قبيل القمة حين أعلن أن هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية، إلا أن هذا التنازل لم يكن كافيا بنظر الروس والإيرانيين.
عارضت تركيا عملية عسكرية في إدلب ودعا أردوغان إلى هدنة رفضها كل من بوتين وروحاني مباشرة رغم أن بوتين رد على التنازل الأردوغاني السابق بتنازل يشبهه في الحجم والفكرة فأعلن قبوله بمصالحات متفرقة وهدن في مناطق بعينها.
قمة طهران ليست استمرارا للخلاف بين أنقرة وموسكو فحسب، بل هي تعميق للخلاف وتباعد جديد للمواقف والمصالح.
أراد اردوغان تحجيم الدور الإيراني في إدلب عبر دعوته لعقد القمة الرباعية فجاء الرد الإيراني من قبل حليفتهم روسيا بالدعوة إلى استرجاع النظام سيطرته على كامل الأراضي السورية، فطهران ليست في موقف يسمح لها بالرد المباشر فاتكأت على موسكو في محاولة إخراج تركيا نهائيا من الملف السوري، وهذا ما تلقفه الطيب وأدركه بشكل واضح فدخول قوات النظام إلى المحافظة وبسط سيطرته عليها يعني تماما انتهاء التأثير التركي في الملف السوري خاصة ما يتعلق بالشمال.
يلتقي الموقف التركي هنا مع الموقف الأميركي مع تباين واضح في الأسباب والأهداف، إلا أن كلا من أنقرة وواشنطن لا ترغب إحداهما في انتهاء ملف إدلب على الطريقة الروسية -الإيرانية ويبدو أن أوروبا أيضا نؤيد هذا الموقف وترى أن عودة جيش النظام إلى إدلب تعني استعادة بشار الأسد لمعظم الأراضي السورية دون تقديم أي تنازلات سياسية وسيبدو الأمر بعد ثماني سنوات من الحرب كأن شيئا لم يكن، فالأسد لم يعلن عن انتخابات نيابية حتى ولا عن نيته إصدار تشريعات تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الإعلام والصحافة وما إلى ذلك من مسائل تبدو بسيطة (وهي كذلك).
الأسد يريد عودة الزمن إلى الوراء إلى ما قبل عام 2011 وعودة أسلوب حكمه إلى تلك الحقبة، وربما إلى ما هو أسوأ، الأمر الذي لن يرضى به أحد والموقف المتعنت للأسد يلقى دعما روسيا وإيرانيا يجعله في موقع المتعفف عن تقديم تنازلات وهذا التعنت حسب وجهة نظرنا يلتقي في نهاية المطاف مع المصالح الأميركية الغربية والتركية أيضا.
وأعتقد أن النظام من حيث لا يدري سوف يدفع أثمانا غالية لهذا الموقف العنيد أو أنه سيضطر إلى حل مشكلة إدلب بطريقة تدفعه إلى تقديم الكثير من التنازلات، والأهم أن إدلب قد تحمل في طياتها بوادر طلاق روسي تركي ينهي شهر العسل الذي ساد علاقات البلدين خلال الفترة القصيرة الماضية، ولربما استغله أردوغان كذريعة لاستعادة موقعه ومكانته في الغرب والأهم استعادة علاقاته القلقة مع واشنطن.
*فؤاد حميرة - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية