أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مصير مشترك للنظام وإيران و"النصرة".. عبد السلام حاج بكري*

من مظاهرات إدلب أمس الجمعة - جيتي

عندما ينتهي الأسد من تنظيم القاعدة في سوريا، سيتوجب عليه، إن أراد البقاء، إيجاد بديل متطرّف يدّعي محاربته سعيا لاستمرار الصمت العالمي على جرائمه المتنوعة بحق السوريين، لذلك يصعب تصديق "الهوبرة" الإعلامية المرتفعة التي يحاول من خلالها إبراز صورته كمحارب للإرهاب، إلا أنه يفعلها ليقدّم للغرب المائع مبررا إعلاميا لعدم الإطاحة به أو تقديمه للمحاكم الدولية كمجرم حرب.

ما الدور الذي سيقوم به الأسد في حكم سورية، وما المبرر الذي سيقدمه للعالم وقد ارتكب كل الجرائم التي تجعل من الصعب على أي مؤسسة أو دولة القبول بالتعامل معه مهما تواضعت أخلاقها وإنسانيتها إن هو طوى الملف المفبرك المسمى محاربة الإرهاب.

لا شك أن مشاركة حزب الله والميليشيات الطائفية من إيران والعراق والباكستان وأفغانستان والمرتزقة المأجورين من دول عدة إضافة لدخول روسيا على المشهد أنقذ الأسد من ورطة السقوط، إلا أن نجاحه في تدبير أسلمة غالبية الفصائل كان الخط الفاصل بين انتصار الثورة وعودته أكثر صمودا، وهذا بدوره وفّر له المبرر لطلب تدخل كل أولئك القتلة لمساندته.

تدرك روسيا ومعها إيران "كما نظام الأسد" أن القضاء على تنظيم القاعدة المتمثل بجبهة النصرة بعد تراجع دور "داعش" وانحسار وجودها في مواقع محدودة واستتباب الأمر للنظام يجعل من الصعب عليهما إيجاد مبرر مقنع للغرب بضرورة بقائهما في سوريا.

ويبدو وضع إيران أكثر حرجا مع السعي الإسرائيلي لتحجيم وجودها ودورها في المنطقة، الذي جعل قواتها هدفا متواصلا منذ عام ونصف للقصف الإسرائيلي الذي لم يتّسم بالجدية حتى اللحظة، لكن هذا لن يستمر طويلا لأن إيران قضمت لقمة كبيرة يصعب عليها ابتلاعها وهي في الأساس دولة وظيفية.

ويزداد حرج إيران وهي ترى حلفاءها السابقين في العراق يتسابقون على التبرؤ منها مزوّدين بسلاح الشعب الذي صرخ بوضوح لأول مرة منذ سقوط صدام حسين مطالبا باستقلالية القرار العراقي، وما إضرام النار في قنصليتها في البصرة سوى خطوة قد تتبعها خطوات يمكن أن تفرض حكومة عراقية تكون ندا لا تابعا لها.

هذا يجعل من احتمال تشجيع إيران للأسد ومشاركته في حملة كبيرة تقضي على جبهة النصرة في إدلب ضعيفا، لأنه يسحب مبرر وجودها وستكون أمام طلب أسدي قسريّ بمغادرة سوريا، ولاحقا ينتهي كل نفوذ لها فيها مع انتهاء دور الأسد.

كذلك روسيا، لديها من الأسباب الكثير مما يمنعها من اقتحام محافظة إدلب، فهذا يلغي كل إنجازاتها السابقة في الأستانة لأن الاتفاقات التي وقعتها هناك مع الدول الضامنة ستكون بحكم الملغاة، ويؤدي الاقتحام إلى استعداء تركيا، عدا عن سحب المبرر المعلن لوجودها وهو مكافحة الإرهاب، وبذلك ستضطر للسير في الخطوة اللاحقة وهي إعادة الإعمار وهذا مستنقع ستغوص فيه وحدها لأن الغرب الذي لن يشاركها فيه مادام الأسد في السلطة.

النظام وإيران وروسيا أمام معضلة حقيقة، فدخول إدلب والقضاء على جبهة النصرة رغم أنه انتصار في ظاهره، إلا إنه يضعهم في صورة الترتيبات الأخيرة للحالة السورية التي لن تكون كما يريدون، لذلك سيرمون الكرة في ملعب تركيا لإيجاد حلّ يجنبهم القضاء على النصرة ويبقيها ذريعة لاستمرار هذا الوضع، وهو أفضل المتاح لهم.

لكن التصعيد الإعلامي غير المسبوق والحراك السياسي حول إدلب وجبهة النصرة لا بد أن يتبعه عمل عسكري ما، يتوقع أن يكون محصورا في الجهة الغربية من المحافظة، يبعد خطر "الإرهابيين" عن قاعدة حميميم الروسية المتمثل بصواريخ الغراد والطائرات المسيرة. 

وتخرج تركيا منتصرة إن هي استطاعت تفكيك تنظيم القاعدة في إدلب، دون أن تسمح للفريق الآخر باقتطاع جغرافية جديدة من تلك المحسوبة لها، وسيكون انتصارا بدون معركة للفصائل المعتدلة عدم تجريدها من السلاح، ويترك لها فرصة التفكير بتحرير ما احتله الأسد، وهذا يتأتى من مستوى الأداء التركي في التعامل مع ورطة الآخرين مع قصة إدلب والنصرة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(120)    هل أعجبتك المقالة (121)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي