لم يخفِ الصحفي اللبناني "حسن صبرا" تأييده ثورة الشعب السوري، فقال إنها ثورة "تأثرت بما جرفه الهمجي حافظ الأسد وابنه من حياة سياسية وثقافية وإنسانية متهلهلة".
وأضاف في تصريح مطول لـ"زمان الوصل" قائلا "أكثر ما أثر في مسار الثور السورية أن الهمجي الأكبر حافظ تمكن من غسل الأدمغة وزرع الخوف، وحاول أن يثبت قوانين الآلهة في سلوكه، وكأنّ البشر عنده مجرد أرقام وخدام وأدوات تنفذ ما يريد وهذا ما ولد الانفجار العظيم الذي حصل في آذار مارس/ 2011"
وتمكن "صبرا" أن يحجز مكانة خاصة بين كبار الصحفيين العرب على مدى أكثر من 40 عاما بفضل قلمه الحر وجرأته المعهودة وقدرته على تجاوز الخطوط الحمراء.
وكانت قمة إنجازاته في مجلته "الشراع" كشف فضيحة "إيران غيت" في سلسلة تحقيقات نشرها في مجلته "الشراع" عن صفقة سلاح أميركية لإيران إبّان حرب العراق.
واعتُبرت من أهم التحقيقات التي أجريت في العالم العربي، واضطر الرئيس الأميركي حينها "رونالد ريغان" إلى التعليق عليه شخصياً، كما دفعت جريدة "لوموند" الفرنسية إلى اختياره (صحفي العام 1986).
وقدم له الكاتب المصري "مصطفى أمين" جائزة أحسن عمل صحفي عربي عام 1986، كما قدم له نقيب المحررين اللبنانيين "ملحم كرم" جائزة تحمل اسمه تقديراً لعمله الصحفي المميز.
وروى "صبرا" جوانب من حياته وتجربته الصحفية التي تعود إلى مطلع الستينات.
ولد "صبرا" في بيروت عام 1948 واعتاد القراءة في المنزل من اصطحاب والده للكتب والمجلات والصحف اليومية وكان -كما يقول- يتسابق مع شقيقه علي على انتزاعها من جيب والده الذي كان يقرأها في سوق الخضار، حيث كان يعمل تاجراً للجملة.
*شراع الصحاقة
يقول "صبرا" لـ"زمان الوصل" إن عشقه الأول في الإعلام كان مصرياً، إذ تتلّمذ وتشرّب منذ البداية بكتابات وقراءات مصرية وخطابات جمال عبد الناصر والصحف المصرية وكتب "إحسان عبد القدوس" و"نجيب محفوظ" و"توفيق الحكيم" إلى جانب إبداعات لكتاب لبنانيين كـ"توفيق العلايلي" و"توفيق يوسف عواد" و"بيير رفائيل" وآخرين.
واستعاد الصحفي اللبناني بداية ولعه بالقراءة حينما كان يذهب إلى المزين (الحلاق) في حيّه بمنطقة "المصيطبة"، وكان الحلاقون يتنافسون في وضع المجلات المصرية ليجذبوا الزبائن ويقرؤوها في أوقات الانتظار وكان يجلس لتصفح مجلات "المصور" و"آخر ساعة" و"صباح الخير" و"روز اليوسف" فيذهب دوره أكثر من مرة دون أن ينتبه لذلك.
عندما أصبح صبرا في الصف المتوسط (البروفيه) في بيروت تسابق مع ثلاثة من زملاء في الصف الثالث المتوسط لإنشاء مجلة يدوية (تُكتب باليد) وكان كل واحد منهم -كما يقول- يجمع المواد من الآخرين شهرياً ويكتبها بخط يده في منزله، وعندما يحضرونها إلى المدرسة كان جميع الطلاب ومنهم من هم من الصفوف العليا يتخاطفونها ليقرؤوا ما فيها، وكان الطالب "صبرا" يكتب المادة السياسية -كما يقول- مشيراً إلى أن أول مقال له كان ضد نظام حزب البعث في سوريا عام 1963 بعد انحراف الحزب بما سُمي بحركة 8 آذار التي قادها العقيد آنذاك "زياد الحريري" وسرقها البعث.
حصل "حسن صبرا" على إجازة في التاريخ من جامعة بيروت العربية عام 1972 وفي العام التالي نال دبلوم الماجستير في التاريخ من جامعة القاهرة، وأسس مجلته الشهيرة "الشراع" التي تولى رئاسة تحريرها في 15 كانون الثاني يناير/1982، وبعد سنوات قليلة تمكنت المجلة الأسبوعية من حجز مكان مهم بين الصحف والمجلات الصادرة في بيروت، خصوصاً أن تلك الفترة شهدت نهضة صحفية مهمة في لبنان.
وكانت نقطة التحول في شهرة المجلة التقرير الهام الذي نشره "حسن صبرا" بقلمه والذي كشف فيه عن صفقة سلاح أميركية لإيران إبّان حرب العراق المعروفة باسم "إيران غيت".
واستعاد الصحفي اللبناني الخيوط الأولى لقصة تحقيقه التي بدأت عندما زاره في مكتبه وفد إيراني كانوا مجموعة من الشبان العرب ممن كانوا حول "هادي المدرسي" في سوريا ولبنان، وحينذاك كشف الزوار الشباب لـ"صبرا" أن مستشار "ريغان" للأمن القومي "ماكفرلين" زار طهران سراً والتقى رفسنجاني وعقد معه صفقة لتبادل الرهائن الأمريكيين مقابل تزويد إيران بالأسلحة أثناء حربها آنذاك مع العراق.
ولفت محدثنا إلى أنه كان على يقين بأن المخابرات أرسلت له هذه المعلومات مع هؤلاء الشبان الذين كان يلتقيهم في دمشق أيضاً وتحديداً من قبل العقيد "إياد المحمود" الذي كان يقوم بأعمال السفارة السورية في طهران، وهو من قام بتهريب "روبرت دج" المخطوف من قبل الإيرانيين من سجنه في لبنان إلى سوريا ومن ثم إلى أمريكا، وكانت نتيجة ذلك -كما قال- أن الرئيس الأمريكي اتصل بـ"حافظ الأسد" ليشكره على هذه الخدمة التي أداها لأمريكا ونتيجة ذلك خطف الإيرانيون "إياد المحمود" وتعرض للضرب وكاد أن يُقتل لولا معرفة السوريين بالأمر، واتصل الأسد حينها بـ"علي خامنئي" الذي كان رئيساً للجمهورية الإيرانية طالباً منه إرسال "المحمود" فأرسله بطائرة سورية خاصة حملته إلى دمشق.

"صبرا" أكد أن التحقيقات التي نشرتها "الشراع" حول فضيحة "إيران غيت" كانت أحد أسباب خسارة إيران للحرب بحسب ما اعترف به "أنيس النقاش" أحد أصدقاء إيران المعروفين في لبنان.
وكشف أن "النقاش" قال له إن الإيرانيين "كان يجب أن يقتلوك مائة مرة فتحقيقاتك كانت بمثابة الخنجر في القلب الإيراني".
وكشف الكاتب البريطاني "باتريك سيل" في كتابه (الصراع عل الشرق الأوسط) أن فضيحة "إيران غيت" أدت إلى أن ينجو النظام السوري بنفسه من ضربة أمريكية بسبب ثبوت تورطه وبخاصة اللواء "محمد الخولي" قائد المخابرات الجوية والمقرب من "حافظ الأسد" بمحاولة تفجير طائرة العال الإسرائيلية عبر العمل المزدوج "نزار الهنداوي" الذي أبلغ البريطانيين بمحاولة تفجير الطائرة التي كانت تحط كترانزيت في مطار "هيثرو" اللندني ومتوجهة إلى "تل أبيب" حاملة على متنها 375 راكباً، قبل أن يهرب إلى السفارة السورية في لندن، وكانت هناك نية لضرب النظام السوري، كما تم ضرب "معمر القذافي" في نيسان ابريل من العام نفسه بسبب اتهامه بتفجير طائرة "لوكربي".
*محاولة اغتيال
ونفى "صبرا" أن يكون رئيس مكتب الحركات الثورية في الحرس الثوري الإيراني "مهدي الهاشمي" الذي أُعدم فيما بعد هو من سرب له المعلومات بخصوص فضيحة "إيران غيت" وإنما جاءته عن طريق "إياد المحمود" الذي كان على صلة مع المكتب الخاص للحرس الثوري الإيراني (مكتب الشيخ منتظري).
وروى "صبرا" أن حكم الإعدام عندما صدر بحق "مهدي الهاشمي" جرت محاولة اغتياله في بيروت في 14 أيلول سبتمبر/1987 أي بعد نشر التحقيقات في "الشراع" بأقل من سنة.
وكشف محدثنا أن من حاولا قتله كانا يمتطيان دراجة نارية وحينها أخرج سائقه "غندورة" الرشاش الذي كان يخبئه تحت المقعد دون علمه، ولكنهما ردّا على مصدر النار فأصيبت ابنته في بطنها.
في عام 2005 وبعد 24 ساعة من اغتيال الصحفي "جبران تويني" قرر "صبرا" أن يترك لبنان ناجياً بنفسه وخصوصاً أن تحذيرات وصلته بأن الدور القادم عليه.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية