أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سياسة إعلامية جديدة بالحذاء..!*

انفجارات في مطار المزة - سانا

منذ يومين، ووسائل إعلام النظام تجاهد لدفع الناس إلى تصديق رواية المصدر العسكري الذي قال إن ما حصل في مطار المزة من انفجارات مساء السبت الماضي، لم يكن هجوما إسرائيليا، وإنما نتيجة ماس كهربائي.

ووصل الأمر ببعض المواقع إلى حد اعتبار كل من لا يصدق بيان القوات المسلحة، بأنه خائن ويدعم "الإرهابيين".

هذه اللهجة القوية في إجبار الناس على تصديق ما لا يمكن تصديقه، جاءت بعد سخرية كبيرة قادتها وسائل التواصل الاجتماعي، الموالية قبل المعارضة، بأن ما حصل، كان هجوما واضحا، بدليل أن الكثيرين شاهدوا المضادات الأرضية، وهي تنطلق باتجاه الأهداف المهاجمة، ومن جهة ثانية فإن بيان الجيش صدر بعد أقل من ربع ساعة على حدوث الانفجارات، وهو وقت غير كاف لتحديد سببها، والقول إنها نتيجة ماس كهربائي، مشيرين إلى أن ذلك يحتاج ليومين، أو على الأقل، لحين إطفاء الحرائق، التي استمرت لعدة ساعات.

في الواقع، الكثيرون قد يقرؤون الموقف القاسي لوسائل إعلام النظام، اتجاه كل من يسخرون من الجيش وبياناته، على أنه موقف عادي، ويندرج في إطار عدم وجود أفكار عظيمة يناقشها هذا الإعلام، إلا أن المتابع الجيد، يكتشف بأن هناك سياسة جديدة بدأ ينتهجها هذا الإعلام، تمهد لما هو أكثر من إجبار الناس على تصديق الكذب، بل إن النظام مقبل على قرارات خطيرة، تمس "هيبة الدولة وكرامتها"، ولا يريد لأحد أن يعترض عليها، وهي غالبا قرارات سوف يكون لها تأثر كبير على حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية.

وقد بدا ذلك جليا بشكل أكبر، من خلال تعامل وسائل الإعلام، مع موضوع أخطر من مسألة الانفجارات في مطار المزة، وهو القرار الذي أصدره النظام مؤخرا بوجوب الحصول على موافقة شعبة التجنيد لكل شاب دون 42 عاما ويرغب بالسفر خارج البلد، فهو قرار خطير بلا شك ويستحق الاعتراض، لأنه يعني تحويل البلد إلى سجن كبير، وهو من جهة أخرى يتعارض مع ادعاء النظام بأن يسعى لإعادة السوريين المهجرين إلى بلدهم، لأن هذا القرار يعني، بأن كل من كان يرغب في العودة، فإنه لن يفكر بها بعد الآن.

لكن وسائل الإعلام لم تسجل اعتراضها على القرار من هذا الجانب، وإنما اعترضت على مشهد تجمهر الشباب أمام شعب التجنيد للحصول على هذه الموافقات، فهي رأت أن هذا المشهد غير حضاري، وطالبت بوجوب وجود آلية غير ذلك، حتى لا يحصل هذا التجمهر، وهو موقف يذكرنا بنكتة شهيرة خادشة للحياء، لا مجال لسردها .. إلا أن أغلبكم، لا بد وأن سمع بها، أو بشيء مشابه لها.

الدليل الآخر على أن هناك توصية بعدم التطرق أو انتقاد قرارات النظام، هو ما بدأ تسريبه، من نية الحكومة طرح الكثير من مؤسسات القطاع العام الصناعي للبيع، فمثل هذا القرار كان سابقا يثير زوبعة من النقد والاعتراضات، إلا أن المستغرب، أن وسائل الإعلام حتى لم تتطرق له بالشكل الصحيح، وتعاملت مع خبر مثل بيع شركة الأسمدة في حمص لشركة "ستروي ترانس غاز" الروسية، على أنه خبر عادي أو منجز عظيم لوزارة الصناعة، بل الأكثر من ذلك، أن البعض تحدث عن هذا البيع أنه يدخل في إطار تعاون مع الشركات الروسية.

بالمختصر المفيد، النظام يعيش أزمة اقتصادية خانقة، وهو مقبل على اتخاذ الكثير من القرارات الخطيرة، والتي قد تصل إلى بيع أصول حقيقية من أملاك الدولة والقطاع العام، وربما محافظات بأكملها .. ! وما اعتراف عماد خميس رئيس وزراء النظام، بصرف كامل الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية خلال السنوات السبع الماضية، سوى أحد ملامح هذه الأزمة، وتمهيد لخطوات ينوي النظام اتخاذها في الفترات القادمة.

وذكرت مصادر مطلعة، بأن النظام يفاوض على تأجير مناطق بكاملها في سوريا، وبالذات الجولان السوري المحتل، لإسرائيل، ومناطق أخرى لتركيا وإيران وأمريكا، ولمن يرغب من الدول الأوروبية.

وأكدت هذه المصادر، أن الروس هم من يقودون هذه المفاوضات نيابة عن النظام، بهدف سداد الديون المترتبة عليه، ودعم الاقتصاد المتهاوي.

لهذا، بدأ النظام يلجأ إلى انتهاج سياسة إعلامية شديدة اللهجة، تقوم على عدم الانتقاد لكل ما يصدر عنه وما سوف يصدر، وشن هجوما شرسا على كل من تسول له نفسه التشكيك برواياته، وهو يلوح بفرض هذه السياسة حتى لو اضطره الأمر لاستخدام الحذاء مع المعترضين. 
هذه هي قصة الماس الكهربائي باختصار.

*فؤاد عبد العزيز - من كتاب "زمان الوصل"
(213)    هل أعجبتك المقالة (219)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي