أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ذكريات معتقل سابق في المهجع 11 بفرع فلسطين.. هنا التقيت طلاب "أبو القعقاع" و"زهران علوش"

موقع فرع فلسطين وفي الكادر زهران علوش - زمان الوصل

*أبو القعقاع كان رجل مخابرات بلحية، وقتل معه رجل مخابرات إيراني
*قصة الشقيقين اللذين نفذا تفجيرين كبيرين في دمشق بنفس اليوم
*"علوش" كان كثير الصمت ومن أكثر من تعرضوا للتعذيب

باح معتقل سابق في "الفرع 235" لجريدتنا ببعض أهم ما علق في ذهنه من "ذكريات" داخل هذا المعتقل الرهيب، الذي يتوضع في دمشق ويتبع شعبة المخابرات العسكرية، ويعرف لدى عامة السوريين بـ"فرع فلسطين". 
وروى "أ.ح" قصة اعتقاله المريرة في "فرع فلسطين" بعد اتهامه بالتجسس لحساب دولة أجنبية، وهي من بين التهم المعلبة التي يمكن أن يلصقها النظام وجواسيسه بأي سوري، حيث بقي في هذا المعتقل شهورا طويلة، تعرف خلالها على كل فنون التعذيب مثل: سلخ الجلد، الشبح، صعقات الكهرباء، نزع الأظافر، وبساط الريح.
ولكن المعتقل السابق لم يشأ الاستفاضة في الحديث عن طرق التعذيب وفنونه، لأن غالبية السوريين باتوا يعرفونها جيدا، بل فضل الحديث عن "زملائه" في الزنزانة الجماعية الذين ارتبطت أسماء بعضهم بأحداث مهمة في البلاد، وكانوا لفترة طويلة حديث الشارع ووسائل الإعلام.

*أبو القعقاع
قبل اندلاع الثورة بسنة، وتحديدا في آذار/مارس من عام 2010، تم زج "أ.ح" في غياهب "فرع فلسطين"، نتيجة ما أسماه "تقريرا أمنيا كيديا"، وتم وضعه مباشرة في المهجع رقم 11، دون أن يعرف حتى اليوم لماذا سُجن في هذا "المهجع"، المخصص للإسلاميين والمتهمين بـ"التطرف الديني" حسب تصنيف النظام لهم.

وفي هذا "المهجع" كان النظام يحتجز 70 شخصا غالبيتهم مضى على اعتقاله سنين عديدة، لكنهم كلهم في النهاية معتقلون بعد العام 2000، عام تولي بشار السلطة بالوراثة عن أبيه.

وقد كان فترة احتجاز "أ.ح" كافية ليلتقي بمعظم هؤلاء ويسمع بقصصهم، ومن بينهم 17 شخصا اتهموا بمقتل محمود قول أغاسي الملقب "أبو القعقاع"، صاحب الدعوات الجهادية والمسؤول عن تجنيد الشباب للقتال في العراق (قتل في 2007)، والذي يؤكد محدثنا بأنه لم يكن سوى رجل مخابرات بلحية.

وكان من بين المعتقلين في قضية "أبو القعقاع" طلاب جامعات وخريجون، و"طلاب علم شرعي" كانوا يحضرون "حلقات" عند هذا الرجل، علما أن جميع هؤلاء تركوا هذه "الحلقات" قبل مقتل أبو القعقاع بفترة طويلة، عندما اكتشفوا دجله ونفاقه وارتباطه الوثيق بالأجهزة الأمنية، واللافت أن هذه المجموعة لم يكن من بينها أي شخص سبق له الذهاب إلى العراق على الإطلاق (كان أبو القعقاع وبالتنسيق والتفاهم مع مخابرات الأسد يستدرج الشباب ويرسلهم إلى العراق لـ"الجهاد").

وكان من بين المعتقلين في نفس القضية أيضا، شخصان أحدهما من الطائفة العلوية لكنه لم يخضع للتعذيب، وآخر دمشقي جرى تعذيبه بشكل مضاعف عنه وعن زميله في التهمة، والسبب في اعتقال هذين الشخصين كان يعود إلى أن الأول (العلوي) أجّر شقته في حي المزة 86 لـ"أبو القعقاع"، فيما كان "الدمشقي" يؤجر شقته المقابلة لشخصين سعوديين، وتبين لاحقا بعد اقتحام الشقة المؤجرة لهما أنهما كانا يراقبان "أبو القعقاع"، حيث وجد في سلة المهملات صورة مممزقة لـ"أبو القعقاع" وهو يخرج من باب ما يسمى "المركز الثقافي الإيراني"، وهو ليس سوى مركز استخباري إيراني.

ونقل "أ.ح" عن الشاب "الشامي" الذي حدثه، تأكيده أن التحقيقات لم تكن تركز على "أبو القعقاع" بل على شخص إيراني كان ملازما لـ"أبو القعقاع"، لافتا –أي "الشامي"- إلى أن محققا مخابراتيا عرض عليه في أحدى المرات الصورة التي عُثر عليها في شقة السعوديين، وظهر فيها "أبو القعقاع" مع شخص إيراني، وطلب المحقق من "الشامي" الاعتراف كيف قتل هذا الرجل الإيراني، وإلا فإنه سيمضي بقية عمره في السجن.

هذا الكلام أكده معتقل آخر "حلبي" سمع حوارا دار بين بعض المحققين، عبروا خلاله عن غضبهم من مقتل الرجل الإيراني والضغط الكبير الملقى على عاتقهم بسبب هذا الملف، نتيجة الاهتمام الزائد الذي يوليه رؤسائهم للإيراني تحديدا، ومن جملة ما قالوه كلام مفاده: "كيف جاء هذا الرجل مع أبو القعقاع إلى حلب، لماذا سمحوا بقدومه؟!.. أبو القعقاع مات لجهنم، أما هذا فسيسبب لنا وجع الرأس".
ومما باح به الشاب "الحلبي" لمحدثنا أنه شاهد "أبو القعقاع" قبل مقتله بنحو 10 أيام في مسجد حيه، وعندما سأل أحد الأشخاص عن سبب مجيئه إلى حلب، بعد انتقاله بشكل كامل إلى دمشق واستقراره فيها، كان الرد: "الله يجيرنا منه ومن شوفته"، وبالفعل قتل "أبو القعقاع" أمام المسجد ذاته، وبعد مقتله بفترة قصيرة عرف أهالي الحي أن شخصا آخر قتل معه، ولكن أحدا لم يتصور حينها أن هذا "الآخر" إيراني.

*أتباع "شاكر العبسي"
ومن بين من شاهدهم "أ.ح" في المهجع 11 بفرع فلسطين، مجموعة من "جند الشام" أتباع "شاكر العبسي"، وهؤلاء الأشخاص كانوا من أكثر الناس حرصا على الانعزال وعدم الكلام مع أحد، لكنه عرف من بينهم شخصا يدعى أحمد، عمل حلاقا وكان غالبية "زبائنه" من أعضاء الجماعة، و كان معه شقيق أصغر منه سنا يعمل في محل لبيع المواد الغذائية، وقد اعتقل الأخوان على خلفية التحقيقات ووجهت لهما تهمة تقديم الدعم والتمويل لحركة "جند الشام".

ويؤكد "أ.ح" إن الشابين خرجا من سجن فرع فلسطين بتاريخ 29 حزيران/يونيو 2011، في اليوم الذي خرج به غالبية المعتقلين على خلفية "دينية"، حيث تم تفريغ زنازين فرع فلسطين الجماعية (عددها 17) من معظم العائدين من العراق والمنتمين إلى حركات إسلامية جهادية، وأطلق سراحهم.

وتابع: "بعد خروجي من المعتقل التقيت صديقا للشابين الشقيقين، وأخبرني أنهما جهزا سيارتين مفخختين، واحدة انفجرت في فرع الأمن الجنائي المقابل للجمارك، والثانية في فرع المخابرات الجوية الواقع في ساحة التحرير، وكان هذا يوم 17 آذار/مارس عام 2012".
ففي التفجير الذي استهدف مبنى المخابرات الجوية، دُمرت واجهة المبنى المؤلف من عدة طوابق بشكل كامل، وظهر المبنى على هيكله مع تحطم جميع جدرانه المواجهة للشارع، فضلا عن دمار لحق بعدة مبان سكنية مقابلة، وتحطم زجاج الأبنية على مسافة تفوق 300 متر، فيما دمر الانفجار الآخر الذي استهدف مبنى الأمن الجنائي واجهة المبنى بشكل كامل، ولحقت أضرار كبيرة بمبنى الجمارك، وكذلك بفرع المنطقة (فرع 227) الذي كان قد تعرض لتفجير منذ نحو شهرين حينها، ومن شدة الانفجار تحطم زجاج بعض نوافذ مبنى وزارة التعليم العالي الذي يبعد مئات الأمتار عن مكان التفجير.

*"زهران علوش"
أكد "أ.ح" أن "زهران علوش"، مؤسس "جيش الإسلام"، كان من بين المعتقلين معه في المهجع 11، وكان قد تنقل في عدة فروع أمنية، إلى أن وصل إلى "فرع فلسطين" ذي السمعة السيئة، لافتا إلى أن "علوش" تعرض للتعذيب أكثر من جميع "نزلاء" المهجع، وكانت علامات التعذيب تظهر عليه من بُعد، وكان ظهره وصدره "خريطة" من شدة الضرب والجلد، كما يقال بالعامية.

ووفق شهادة "أ.ح" فإن "علوش" كان من أكثر الناس صمتا، ومن النادر أن يتحدث مع أحد باستثناء رد السلام، ومع ذلك فقد كان من الشخصيات المحبوبة في المهجع، وممن كسب ود واحترام من شاطروه الزنزانة.

ولكن "أ.ح" تحدث من مقربين من "علوش" قُبض عليهم في نفس "التهمة"، فتبين أن سبب اعتقال "علوش" يعود إلى إقامته "حلقات تعليمية" وإعطائه دروسا عن الحلال الحرام في منطقة الغوطة، ونفوا أن يكون الرجل قد تطرق إلى أمور السياسة أو الخطاب الطائفي.

وبحسب شاهدنا، فقد اعتقل "زهران علوش" مع بضع مئات من الأشخاص، وخرج غالبيتهم معه بتاريخ 21 حزيران/يونيو عام 2011، بعد أن تنقل الرجل بين سجن صيدنايا و المخابرات الجوية وفرع فلسطين.

أسس "علوش" بعد إطلاق سراحه "سرية الإسلام" التي صارت "لواء الإسلام"، قبل أن يتحول لاحقا إلى "جيش الإسلام"، الذي كان في طليعة القوى الضاربة بمحيط دمشق وعموم سوريا، وقد قضى الرجل أواخر 2015، نتيجة غارة حربية، قالت أغلب التقارير إن من شنها هو طيران الروس.

*"حسام حميدان"
يقول "أ.ح" إن من بين من شاطروه "المهجع 11" شاب يدعى "حسام حميدان" ويكنى "أبو البراء"، واصفا إياه بالشاب العبقري في أمور البرمجة والإنترنت بالذات.

وأكد محدثنا أن "أبو البراء" اعتقل بسبب انتمائه إلى "جند الشام"، مبينا أن الرجل كان على علاقة جيدة مع "زهران علوش"، وقد كان "أبو البراء" بين المفرج عنهم بتاريخ 29 حزيران 2011، وبعدها ذهب إلى دوما قاصدا "علوش" حيث عملا سويا على تأسيس نواة "جيش الإسلام".

وبعد الإفراج عنه، تواصل "أ.ح" مع "أبو البراء" مرات عديدة، حيث أخبره بمساهمته في تأسيس نواة جيش الإسلام وتوليه مسؤولية الإعلام فيه، كما دعاه للانضمام إلى هذا الجيش إن رغب، وترحيب "علوش بذلك (كان جيش الإسلام يومها في بداية تأسيسه تحت اسم سرية الإسلام).

وأفاد محدثنا أن "أبو البراء" هو من أقارب عائلة "الصالحاني" الميدانية في دمشق، التي فقدت أكثر من 60 شخصا بين رجال ونساء وأطفال، بعد ما سمي "معركة الميدان"، حيث دخلت قوات النظام الحي وارتكبت بحق سكانه أعمال قتل وتمثيل وحرق وحشية.

قضى "أبو البراء" أواخر أيلول/سبتمبر من 2012، برصاص قناص من جيش النظام.

زمان الوصل - خاص
(550)    هل أعجبتك المقالة (551)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي