أول القول، وبعيداً عن دعابة الماس الكهربائي التي جاد بها إعلام الأسد، كسبب للانفجارات المتكررة بمنطقة المزة، والذي تأخر -الإعلام- حتى عن نقل النبأ، ريثما جاءت التعليمات من موسكو وطلب عدم التصعيد مع تل أبيب، لأن المستهدف عصابات إيرانية.
بصدق، لم أشعر ليل أمس بأي إحساس حزن على ضرب إسرائيل مطار المزة العسكري، كما لم أشعر بالفرح أيضاً.
وهذا الشعور ربما جديد، وأعتقده سيستمر ما استمر الوريث ونظامه القاتل، يحتلون مصير سوريا ويؤجرونها للمحتلين والغرباء.
ربما بالماضي، كنت أحزن، لأن ثمة أحاسيس تربطني بالأمكنة، وربما لأن بعض يقين بعودتي لها وعودتها للسوريين، بيد أن تثبيت المحتلين، الروسي والإيراني خاصة، سحب مني، جل تلك الأحاسيس، وإن تبقّى من حزن على وطني، فلأنها آلت لهذه العصابة ولهؤلاء المحتلين...ولم يبقَ لي بدمشق ومنها، إلا بعض ذكريات وأصدقاء.
سألت نفسي بواقع الاختلاط وتبدل الأحاسيس أمس، ترى لو كان قصف إسرائيل لمباني المدنيين أو للجامعات والمدراس وأحياء الفقراء، أستبقى أحاسيسي متكلسة وأبقى بحالة عدم التعيين "يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحا" رددت دونما تفكير، الحزن أقل ما يمكن وحتى البكاء، وإلا، كيف سنختلف عمّن يشجع على قتل أهلنا وكيف ستصح ادعاءاتنا بالحرية والثورية والعدالة.
خطر لي بهذا المقام، أسئلة ثلاثة.
الأول: أين الدفاعات الجوية الأسدية التي تصيد أهلي بشمال غرب سوريا، وأين منظومات الصواريخ الروسية والإيرانية، التي ستسطر على بلدي وأهلي وأولادي، ديوناً تستمر لعقود.
وأما السؤال الثاني والمكرر، ترى لماذا وصلنا لحالة عدم الحزن، حينما يقصف عدو تاريخي تربينا على كراهيته، أرضاً شربنا من حليبها وصلينا لشروق شمسها والمغيب.
وهنا ربما يأتي الجواب مركباً، أوله أن من تلك "المواخير العسكرية" التي تضريها إسرائيل وسواها، يخرج الموت لأهلي ولبلدي، ذاك الموت المفتوح على اللا نهاية، إذ وحتى ما قبل القصف الإسرائيلي بسويعات، كنا نسمع تهديد أهلنا بإدلب والاستقواء عليهم بسلاح جو روسيا وعناصر ومرتزقة إيران، فأي ثكنة تدمر أو مطار يحترق، سيقل مقابله عدد الموتى وتدمير البنى والبيوت.
وأما السؤال الأخير الذي تفتق من وحي تأنيب الضمير والشعور بالخيانة لعدم حزني على قصف مطار المزة ومركز بحوث جمرايا، كيف نظر السوريون المؤيدون للأسد، بل ونظام الأسد ذاته، الذي يرفع حتى اليوم، شعارات القومية لا الوطنية فقط، لتصريحات "سالم بدران"، حينما دعا أمس لإبادة من في إدلب ودفنهم.
خلاصة القول: ثمة ما بدأ، أو سيبدأ بالتبدل على صعيد الملف السوري، فرادارات الولايات المتحدة بعين العرب والجزيرة، لم تنصب على عجل للتخويف، كما لم تأتِ السفن الحربية الأمريكية لمياه الإقليم، بنزهة، ولعل بقصف إسرائيل اليوم، مؤشراً، حتى على فشل وساطة روسيا بعد كل الخيانة والتنازلات، فشد الأحزمة يا أيها الوريث، يبدو أن فصولاً جديدة بمسرحية بقائك قد بدأت منذ زيارة وزير دفاع "فارس" لسوريا، وبدء تملصكم من اتفاقاتكم مع العدو الاستراتيجي.
*عدنان عبدالرزاق - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية