عـــــذراً مـــــن البعـــــض..وليسمحوا لنا بوصف ما يقدمونه على الفضاء العربي بـ(الفراطة)..
نعم..هو أقرب ما يكون إلى ذلك..إذ ليس له كيان متجانس واحد تلتصق به صفة (الفراطة) الكلمة المستخدمة في اللغة المحكية صفة للنقود في حال كونها صغيرة، مفرقة، بالمصري هي (الفكة) نقيضة النقود (الجملة).
اليوم في زمن ثقافة اللا شيء وكل شيء بالآن ذاته..حيث فوضى الثقافة أو ثقافة الفوضى، ثقافة كبسة الزر الاستهلاكية التي لم ينج منها شيء لم تسع إلى استثماره بالشكل الأمثل والأكثر فائدة وعائدية على مروجيها.
يمكن لنا والحال كذلك أن نسحب بعض الكلمات والمصطلحات من حيزها الأصلي إلى حيز ثان وثالث وربما أكثر..وعليه نتجرأ فنقول: برامج فراطة.
بربكم ألا يخطر ببالكم هذا التوصيف لما تتباهى بعض الفضائيات العربية بتقديمه لنا؟ أضعف الإيمان أن متفرجاً متبصراً لا ينخدع بالظاهر، بالقشور، قادراً على استكشاف بواطن الأمور، له أن يدرك تلك السهولة وبتعبير أدق التساهل الذي تخاطب من خلاله عقلية المتلقي العربي..تساهل يصل أحياناً كثيرة إلى درجة الاستهتار..الإغفال..وربما التطنيش لكل ما يمس حساسية وذائقة وذهنية المشاهد.
صحيح أنها برامج فراطة إلا أنها تقدم لنا دفعة واحدة..مرشوشة ومبثوثة بثاً ساحقاً ماحقاً في مختلف القنوات العربية بحيث تغطي نسبة كبيرة من ساعات البث.
حالياً يعرض على قناة أبو ظبي برنامج (سوبر ديو-لقاء الأجيال) تقديم الفنان أيمن زيدان وابنه نوار.
يتخذ البرنامج هيئة المسابقات ذات الطابع التسلوي المنوع مع مسحة رشة خفيفة ثقافوية لا تسبب عسر هضم للمتفرج بتاتاً. أما عمق البرنامج الأكثر انسحاقاً وامحاقاً أي غايته (الماورائية) غير المدركة أو الملموسة بالحواس الخمس فهي تربوية، اجتماعية، وبذلك تكتمل الخلطة العجائبية ولا سيما عند الحاجة لاستخدام الحاسة السادسة بغية البحث عن مغزى البرنامج.
وبالرغم من كل هذه الكليشيهات التعريفية بطبيعته نتساءل..هل تمكّن البرنامج من إصابة النجاح في إحداها ولا نقول فيها جميعاً؟
هل حقق شرط المتعة والفائدة..المعادلة المفترض تحققها في هكذا نوعية برامجية؟
إعداداً وتقديماً يحاول البرنامج إيهامنا وإقناعنا بمزحة أنه معني بموضوع الاختلاف ما بين الأجيال (آباء وأبناء) وهو أمر لا نتلمس منه إلا وجود هؤلاء الآباء أو الأمهات مع أبنائهم كمتسابقين فقط.
فأين الاختلاف أو الجفاء وأين الاتفاق أو اللقاء؟
على ما يبدو أن الأمر اقتصر على بعض التعليقات التي يمررها زيدان الأب والابن بطريقة يستثمر فيها الطرفان روح النكتة والدعابة والتي قد يستحضرانها أحياناً استحضاراً قسرياً مصطنعاً.
المقلب (النهفة) الذي يشعر به متابع هذا السوبر، اكتشافه أن ما يطرح من أسئلة لا علاقة له بالهدف السامي حتى العظم الذي يأتي البرنامج خدمة له..
تصور مثلاً أن أسئلة من نمط:
ما الاسم المؤنث المفضل لدى والدك؟ ما اللعبة المفضلة لديه في الطفولة؟ كم كان عمره عندما شاهد التلفزيون لأول مرة..
وغيرها من أسئلة تحتاج من الابن المتسابق الشريك أن ينقلب إلى أبي العرّيف كي يحزرها..حزازير تأتي كما لو أنها المعيار الفاصل الذي يحكم على مدى الانسجام والتوافق ما بين الجيلين..أسئلة حزازير هي التسمية الدقيقة والصحيحة المناسبة لها.
ثم كيف يمكن لسؤال مثل (ما ترتيب والدك بين أشقائه وشقيقاته) أن يكون مقياساً لمدى التوافق أو عدمه ما بين الأب وابنه.
كما يقفز في البال سؤال عن الرابط ما بين فقرات مثل (وجهاً لوجه-بين اليوم والأمس-أبجد هوز) وغاية البرنامج..ما مبرر وجودها في مثل هكذا نوعية برامجية تسعى التقريب-كما يفترض-ما بين جيل الآباء والأبناء.
فبين الهدف الذي يعلنه البرنامج وبين القالب الذي يقولب به (المسابقات) تضيع هويته كما هوية الكثير من البرامج التي لا يعرف لها لا أس ولا أساس وتراهن على أمر وحيد هو وجود النجم مقدماً، منتشلاً إياها من زحمة الجنون الإعلامي الحاصل.
ولنا أن نتصور هيئة البرنامج فيما لو سحب منه سوبره الأول(الزيدانان) (أيمن-نوار) هل سيبقى هذا السوبر برنامجاً كما أريد له أن يكون-خارقاً، محلقاً على الرغم من أن وجود الاثنين لم ينجح بالتغطية على نقاط ضعفه وهفواته الكثيرة، والتحليق به بعيداً عن أسراب أشباهه البرامجية.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية