أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

في إدلب.. ما تبقّى من الحقيقة*

الكاتب: تزداد عزيمة فصائل المعارضة مع التفويض الشعبي بالمقاومة وعدم التسليم

تحمل إدلب كل الصفات التي تؤهلها لصدارة المشهد السوري، فعدا عن ازدحامها بالمدنيين من سكانها والنازحين إليها من بقية المناطق التي عاد إليها نظام الأسد، فإنها قبلة الاهتمام باعتبارها تضم فصيلا كبيرا موسوما بالإرهاب حتى من قبل من كانوا يغضّون الطرف عن تدفق التعزيزات إليه بعدما لحقت تركيا بركب المصنِّفين.

ساعة الحقيقة تدق في إدلب، لقد تحولت إلى أشهر بقعة في العالم خلال الأيام الماضية، فلا يكاد اجتماع أو لقاء سياسي يجري في أي مكان يخلو من التباحث بشأنها، أنظار العالم ترقب تطورات المحافظة، سياسيو الدول الكبيرة والفاعلة في المنطقة يبيعون ويشترون على الطاولات وتحتها، غير آبهين إلا بمصالح بلدانهم، يتركون حيوات أكثر من ثلاثة ملايين مدني للرياح التي سيمررونها عليها، فيما يبدو شديد الغرابة صمت مواطني تلك الدول عما يجهّز لهذه الجغرافية الصغيرة، وكأنهم انسحبوا من إنسانيتهم التي يشاركهم فيها سكانها.

ساعة الحقيقة تتصف بالغموض، وسط تسارع وتيرة البحث عن مخرج من الحالة التي وضع الأفرقاء أنفسهم فيها مع تصعيدهم وتيرة التحضير والتهديد باقتحامها، مع تزايد الاعتراض الإعلامي الدولي على ذلك خشية على حياة المدنيين، والخوف من اضطرار مئات الآلاف منهم للنزوح مجددا، وهذه المرة ستتكرر موجة اللجوء إلى أوروبا.

قد تحمل قمة الدول الثلاث روسيا وتركيا وإيران الأكثر حضورا على الساحة السورية والتي ستعقد في طهران في السابع من أيلول الجاري بعض الجلاء للصورة ومصير المحافظة، ولكن لن يكون من السهل رسم ملامحها بالكامل بسبب التحضير الغربي برئاسة أمريكا لضرب النظام والميليشيات الإيرانية إن اقتحمت إدلب أو استخدمت سلاحا ممنوعا.

سيظهر النظام وإيران وروسيا بموقف ضعيف إن لم يهاجموا المحافظة بعد كل ذلك التحضير والتهديد، ولكن الضغط الغربي قد يرغمهم على تنفيذ عملية غير مكتملة، ومن المرجح أن يكون مسرحها ريف إدلب الجنوبي والغربي، يحكمون من خلالها السيطرة على كامل سهل الغاب ومدينة جسر الشغور.

وحتى هذا المخرج دونه عقبات كثيرة، أهمها الاعتراض الأمريكي القوي على مشاركة الميليشيات الإيرانية في المعركة، وثانيها تردد روسيا بإشراك طيرانها خوفا على علاقتها بتركيا ومصير اتفاقات الأستانة، إضافة إلى التحضير الجدّيّ من قبل فصائل المعارضة لصد الهجوم المنتظر، حيث باتت المحافظة تضم مائة ألف مقاتل "حسب تقديرات" ما تجمّعت فيها آلاف العناصر التي غادرت مواقع المصالحات في محيط دمشق والجنوب.

لم تستطع تركيا إرغام هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة" على حلّ نفسها لسحب ذريعة اقتحام المحافظة، فاضطرت لمشاركة الآخرين بإعلانها فصيلا إرهابيا، وهي بهذا تفخّخ الهيئة من الداخل، وتفتح الباب أمام انشقاق "متوقّع" لأعداد كبيرة من عناصرها ولا سيما السوريين منهم، وانضمامهم للفصائل الأخرى، كما أنها بذلك تعلن البراءة منها، ولا تعترض نظريا على ضربها ولكن دون اقتحام للمحافظة التي تعتبر منطقة نفوذ تتبع لها.

فيما تبقى الخشية من أن تركيا باعت شيئا من نفوذها في إدلب إلى روسيا مقابل موافقتها على تزويدها بمنظومة الصواريخ "اس 400" ومن غير المستبعد أن تقبل أن مشاركتها النفوذ فيها.

لن يكون النظام قادرا بمفرده على اقتحام المحافظة، وإن حاول ذلك سيتعرض إلى مقتلة قد لا يستطيع تحمل نتائجها، فمن غير المستبعد أن تبادر فصائل المعارضة إلى مهاجمة مواقعه الحساسة في حماة وحلب واللاذقية وقد أعلنت أنها ستفعل، وربما تكون قادرة على ذلك في ظل خربطة المواقف الدولية من معركة إدلب.

تزداد عزيمة فصائل المعارضة مع التفويض الشعبي بالمقاومة وعدم التسليم الذي عبّرت عنه مظاهرات يوم أمس الجمعة التي عمّت المحافظة وحملت مؤشرات مختلفة عما حصل في مناطق تم تسليمها للنظام سابقا.

*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
(137)    هل أعجبتك المقالة (125)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي