أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تركيا الأذكى.. حسين الزعبي*

أرشيف

استطاعت تركيا طيلة السنوات الماضية تدوير زوايا الملفات الصعبة التي أوجدتها حالة الربيع العربي لاسيما شقيه السوري والعراقي، وكذلك المتغيرات السياسية العالمية، ويمكن اعتبار أحد هذه المتغيرات وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وكذلك دخول الروس بتفاصيل الملف السوري.

أنقرة لم تدور زوايا الملفات الحادة فحسب، بل أحالت لحظات الذروة في توتر العلاقات مع الخصوم إلى حالة من التحالف، وما حادثة إسقاط الطائرة الروسية إلا النموذج الأكثر وضوحا للواقعية السياسية التركية، هذا بغض النظر عن رغبتنا وعواطفنا كسوريين تجاه مثل ذلك التحول السياسي الذي أنتج فيما بعد اتفاقيات مناطق خفض التصعيد التي أخذت الملف السوري إلى مكان آخر.

حادثة الطائرة لم تكن الوحيدة، فقد سبقها تثبيت العلاقات مع إيران من الباب الاقتصادي والوقوف على النقيض منها في الشق السياسي وبينهما تم وقف معركة الساحل بعد أن وصلت الفصائل إلى بعد كيلومترات قليلة عن القرداحة، وتزامن ذلك مع زيارة الرئيس "حسن روحاني" الذي شهدت مرحلته تطور في المبادلات التجارية بين الجانبين، لكنها ربما لن تبقى كذلك في ضوء الحرب الاقتصادية الأمريكية على طهران، والتي قد تكون مقدمة لما هو أبعد من الحرب الاقتصادية في حال لم ترضخ طهران لمطالب واشنطن التي من شأنها أن تعيدها إلى داخل حدودها وتنهي مقدرتها على بناء الحلم الامبراطوري على حساب ملفات المنطقة الساخنة في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وبالتالي بناء شكل جديد لشرق أوسط مختلف عن الشكل الحالي الذي تشكل بعد إسقاط نظام صدام حسين وتمزيق العراق.

تعلم تركيا ربما أكثر من غيرها، أن الأوروبيين، وهم تاريخيا في مركب واحد مع الأمريكيين، ورغم تضرر شركاتهم من العقوبات الأمريكية على طهران، إلا أنهم رضخوا لسطوة واشنطن، وآخر أشكال هذا الرضوخ خروج شركة النفط الفرنسية العملاقة توتال من السوق الإيرانية وتضحيتها بمشاريع بمليارات الدولارات، وهذا مؤشر واضح على أن التحرك الأمريكي ضد إيران ليس تهويلا إعلاميا، وبالتالي رفض أنقرة للعقوبات الأمريكية على طهران يضعها في مواجهة مع واشنطن، مواجهة أثبتت التجارب السابقة أن تركيا أذكى من أن تتورط بها وهي الساعية ضمن خطة العام 2023 إلى التحول إلى قوة عالمية، بالمقابل تعي واشنطن البراغماتية التركية وأولويات المصالح لديها، فضلا عن إدراكها أن تركيا حليف لا يمكن الاستغناء عنه في أي تحولات سياسية كبرى، وقد يكون إسقاط النظام الإيراني أو حتى إنكفائه للحد الأدنى أحد أشكال هذه التحولات. 

والسؤال المحق في هذا السياق، ماذا يحصل بين واشنطن وأنقرة تحت مسمى قضية "القس برانسون"؟

منطق المصالح السياسية والاقتصادية يؤكد أن المسألة أكبر من ذلك، وأن موضوع القس ربما يكون الدريئة التي تتخفى خلفها الضغوط المتبادلة بهدف الحصول على المكتسبات الأكبر لمرحلة ما بعد إيران واستقرار سوريا والعراق، فقد سبق لأنقرة أن ناكفت "واشنطن المجنونة" بقيادة جورج بوش الابن ورفضت استخدام اراضيها لضرب العراق، ورغم ذلك خرجت بمكاسب كان أقلها مكاسب اقتصادية.

*من كتاب "زمان الوصل"
(173)    هل أعجبتك المقالة (181)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي