أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"زمان الوصل" تفتح سِفر ضحايا التعذيب في "دمر"... صور وإحصاءات وقصص تشيب لها الولدان

• أصيبوا بالطاعون فـ"داواهم" العميد شفيق مصة بقرار إعدام جماعي أزهق روح 45 محتجزا. 
• واحد من سبعة معتقلين في فرع الموت، كان من "دمر"

رغم إنه كان من أوائل المناطق الثائرة ليس في محيط دمشق وحدها، بل في عموم سوريا، ورغم أنه دفع سلسلة ضرائب كارثية لا يمكن لأشد المخيلات سودواية أن تتصورها، فقد بقي حي "دمر" ومآسيه متعددة الأوجه شبه منسيين، بل وأحيانا مغيبين، ربما لأن إبادة شباب الحي ورجاله كانت تجري بصمت بعيدا عن قرقعة البنادق وهدير الدبابات الطائرات وانفجارات الصواريخ وشظايا القذائف.

وقياسا إلى فداحة الجريمة وتعدد إبعادها، مقرونة بالغفلة عن وضعها تحت المجهر، فإن ما لحق بحي "دمر" يمثل ذروة من ذرى المأساة السورية، التي تحمل كل وجوه ومعاني حرب الإبادة الشاملة والتطهير الممنهج، ضد الهوية والبشر وصولا إلى الحجر.

ولعل تاريخ حي "دمر" وصراع أهله القديم المتجدد مع آل الأسد (شهد الحي -مثلا- محاولة اغتيال لعبد الحليم خدام في الثمانينات، كما عانى أهله من استملاك جائر لمساحات شاسعة تم تشييد مشروع دمر فوقها).. لعل صراع هذا الحي مع النظام، فضلا عن قربه من دمشق، ووقوعه على مرمى حجر من الشام الجديدة، ومن أماكن فائقة الحساسية (قصر الشعب وملحقاته، ثكنات عسكرية، تجمعات سكنية تضم عتاة عساكر النظام وشبيحته).. لعل كل ذلك مما ساهم في أن يكون القتل والقتل فقط، قرار النظام ووسيلته الوحيدة في التعاطي مع أهالي دمر، حتى أزهق جلادوه أرواح ما يقارب 1000 نفس من هذا الحي، تحت التعذيب وحده، الغالبية العظمى منهم قضوا في فرع الموت (فرع 215 مخابرات عسكرية) تحديدا، وكان لصف ضابط طائفي واحد يد طولى في قتل المئات منهم.

*مجازر تعذيب عائلية
واليوم، يعود جرح المعتقلين الذي لم يرقأ يوما لدى ذويهم، يعود لينزف بغزارة مع إرسال النظام لوائح رسمية إلى دوائر النفوس (السجل المدني) المختلفة، تأمرهم بأن يسجلوا آلاف السوريين في خانة "المتوفين"، بعد سنوات من تغييبهم قسريا في معتقلات النظام، وإخفاء أي معلومات عن مصيرهم؛ ليتضح أن ما حل بشباب سوريا أبشع بدرجات من أن تصفه أي كلمات.
ومع توارد هذه القوائم، غاب ذكر حي "دمر" ومعتقليه، كالعادة، والسبب أن أهل هذا الحي –أو من تبقى منهم بالأحرى- سبقوا جميع السوريين تقريبا في تلقي أنباء استشهاد فلذات أكبادهم وأحبابهم ومعارفهم، حيث لم يكن أمام أي رجل يعتقله النظام من دمر (بمن فيهم مؤيدون ورماديون)، سوى مصير واحد هو الموت، وفق ما سيروي لنا مدعما بالوقائع والتواريخ والأسماء، عضو في المجلس المحلي بدمر، وأحد الناشطين الفاعلين في توثيق الانتهاكات بالحي، رفض أن نكشف عن هويته مطلقا، واختار اسم "حمزة".

يؤكد "حمزة" في حديثه الذي خص به "زمان الوصل" أن عدد من تم توثيق اعتقالهم في الحي وبشكل مؤكد يناهز 1000 شخص، وهؤلاء ليسوا كل المعتقلين إذ إن هناك نحو 200 شخص أيضا من حي "دمر"، تمت إضافتهم إلى قوائم المعتقلين لكن بياناتهم ما زالت غير مستكملة.

ومن واقع عمله في توثيق حالات اعتقال وقتل أبناء حيه، منذ بداية الثورة وحتى اللحظة، يجزم "حمزة" أن عدد من تأكد خبر مقتلهم تحت التعذيب يناهز 700 معتقل من الرقم الإجمالي (ألف معتقل)، وأن البقية هم في حكم الشهداء، قياسا إلى الوقائع والمعاينات والشهادات، التي تلقاها "حمزة" من أفواه معتقلين كتبت لهم النجاة من سجون الأسد.

وحسب "حمزة" فإن نصف المعتقلين الذين قتلهم النظام من حي "دمر"، (أي حوالي 350 من أصل 700) تم التأكد من وفاتهم تعذيبا، عبر شهادات من أقاربهم أو من معتقلين سابقين كانوا مع هؤلاء الشهداء وعاينوا لحظات وفاتهم.

وفضلا عن هؤلاء، استطاع مكتب التوثيق في المجلس المحلي لحي "دمر" أن يتأكد وبشكل قطعي ورسمي من وفاة 81 معتقلا من الحي (تنشر زمان الوصل صورهم مع أسمائهم مرفقة بهذا التقرير - اضغط هنا)، إبان تسريب جزء من ملف المصور العسكري المنشق "قيصر"، وهو الملف الذي ما زالت أغلب صوره خارج التداول، ولو تم تداول أغلب هذه الصور (نحو 55 ألف صورة)، فإن عثور مكتب التوثيق على مزيد من ضحايا التعذيب في "دمر" هو أمر شبه أكيد، كما يشدد "حمزة". 

"حمزة" الذي يكرس كثيرا من وقته وجهده لملف معتقلي حي "دمر"، ويحاول أن يتبع في ذلك الأساليب المهنية المعهودة، لا يستطيع بالمقابل أن يخفي مدى لوعته، وهو يتذكر أسماء وقصص هؤلاء الضحايا، فهم بالنهاية إما من أقاربه أو جيرانه أو معارفه، في حي اتسم بين الأحياء القريبة من دمشق بالمحافظة الشديدة على تقاليده وروابطه، التي شكلت هاجسا أقلق النظام المؤسس على سياسة "فرق تسد"، ومن هنا صب مزيدا من جام وحشيته على "دمر".

ومن بين الحكايات المؤلمة التي لا يعلم بها إلا من ذاق لوعتها، حكاية امرأة من الحي، اتصلت بها مخابرات النظام في أحد الأيام الموافقة لعيد الأضحى، من أجل تسلم وثائق أبيها الذي كان معتقلا، وعندما وصلت إلى المكان المحدد، سلموها هويته الشخصية وبمنتهى الشماتة والدناءة التي يختزنها كل مجرمو الأرض، أخبروها: "أبوك فطس"، ولم يكتفوا بهذه الصدمة لكائن ضعيف كان يعيش على الأمل، بل أخرجوا هوية أخيها المعتقل أيضا، وقالوا لها بما معناه "وهي هدية على البيعة"، لتفجع في نفس اللحظة بخبر استشهاد أبيها وأخيها.
ومن القصص التي تحفر أخاديد ألم عميقة، تلك التي تدور حول عائلات وأسر أبيد كثير من أبنائها بشكل جماعي تحت التعذيب، ومنهم عائلة العيطة التي قدمت نحو 100 شهيد فقط تحت التعذيب، ومثلها عائلة "جوخدار" التي قتل النظام في معتقلاته من أبنائها قرابة 70 شخصا.

وعلى مستوى الأسر الدمرانية، هناك نحو 7 حالات تشهد باعتقال الأب وأبنائه وتصفيتهم تعذيبا، علما أن عدد الأبناء في هذه الحالات يتدرج من 2 وصولا إلى 4، فهناك أب من أسرة "خواجة" اعتقل مع 4 من أبنائه، وجرى قتلهم جميعا، فأبيدت الأسرة بشكل شبه كامل.

أما على صعيد الإخوة، فإننا نجد قرابة 70 حالة لإخوة من حي "دمر" تم اعتقالهم وتصفيتهم في سجون النظام، ويتدرج عدد الإخوة في هذه الحالات أيضا بين 2 و4، ومنهم الإخوة "جمال الدين" (4 أشقاء)، الإخوة "حمروني" (4 أشقاء)، ونحن هنا نتكلم فقط عن الأشقاء الذين قضوا جميعا تحت التعذيب، وليس في ظروف أخرى.

ويلفت "حمزة" إلى نحو 90% من أبناء "دمر" الذين قضوا تحت التعذيب، هم أشخاص لم تكن لهم أي أنشطة مسلحة ضد النظام، بل إن بعضهم لم يكن مشاركا في الثورة بفاعلية، وأبعد من ذلك فإن بعضهم كان من شبيحة النظام وأعوانه ومؤيديه، ولكن النظام جرفهم في تيار الانتقام والإجرام الذي سلطه على حي "دمر" عموما، عبر الفرع 215.

*هؤلاء خصومه الحقيقيون
ومن بين الذين قتلهم النظام بيده، "الشيخ فارس خضير" الذي ظهر علنا وفي مقطع مصور، ليتحدث عن مبايعة "بشار الأسد" وحرمة خلع بيعته، ووجوب قتل من ينازعه هذه البيعة، وحصل ذلك خلال مسيرة مؤيدة، كان "خضير" ممن دبروا وخططوا لها في نهايات 2013، بعيد سيطرة النظام كليا على "دمر".

ففي تلك المرحلة، عمد "خضير" إلى مخادعة الأهالي المكلومين وتجميعهم بطريقة خبيثة، قائلا لهم: "بتطلعوا هلأ –الآن- (مسيرة) والمسا بيكونوا ولادكم (المعتقلين) عندكم"، وقد رضخ الأهالي لهذا الأمر وقلوبهم تتفطر على أبنائهم، فلما تجمعت الحشود وحضرت كاميرات النظام وصور ما أراد وانفض الناس، توجه الأهالي إلى "خضير" متسائلين عن أبنائهم ووعده لهم، ليتضح أن الرجل لم يعد الناس إلا غرورا، ولم يمنهم سوى بسراب.

واللافت أن "خضير" اعتقل بعد هذا ببضعة أشهر، وجرى قتله في معتقلات النظام الذي خدمه بعد يومين تقريبا على اعتقاله.

وقد صفى بشار الأسد ومخابراته حساباتهم مع حي "دمر" وأهله الثائرين، على مراحل، حسب ما يرى "حمزة" الذي يلفت بأن النظام ركز منذ البداية على الأشخاص ذوي الثقل والتأثير، ممن كان أهل الحي يثقون فيهم ويسمعون لهم، وفي مقدمتهم "الحاج إبراهيم بدران"، الملقب "أبو خالد" والذي جمع مؤهلات الزعامة الاجتماعية من أطرافها، في حي يقيم للشهامة والنخوة والكرم والحزم وزنا، باعتبارها المعدن الحقيقي للرجولة.

وسارع النظام لاعتقال "بدران" وابنه وقتلهما تحت التعذيب، دون أن يرف له رمش، كما فعل ذلك بشخصية مؤثرة أخرى هي "زهير الحمروني"، الذي اعتقل مع 3 من إخوته وقضوا جميعا تحت التعذيب، لتطوى صفحة 4 أشقاء بجرة قلم من الجزار، الذي قتل شقيقا خامسا لهم في المعارك، حيث لم يتبق من الإخوة الستة سوى واحد.

أما الشخصية الثالثة التي حيدها النظام قتلا بالتعذيب، فهي المؤلف والكاتب "محمد نمر المدني"، الذي كان وجها من وجوه الحي الثقافية، إلى جانب وجاهته الاجتماعية، وقد كتب "المدني" وثيقة إعدامه بيده، كما يرى "حمزة"، الذي التقى "المدني" عقب الإفراج عنه بعد الاعتقال الأول.

فقد روى "المدني" حينها كيف جاءه محقق هادئ وتكلم معه بكل طيبة نفس عن رغبة النظام في دراسة مطالب الثوار والناس، وأعطاه ورقة وقلما ليدون فيها هذه المطالب كما يراها.

ويبدو أن خبث ودهاء المحقق قد غرّا "المدني" بالفعل، فأخذ الورقة ودون بكل حماسة وصدق ما كان يرجوه كل سوري ثائر، من حرية وعدالة وتداول سلطة و....، فأخذها المحقق وضمها إلى ملف "المدني"، قبل أن يفرج عنه.
لم يعتد "المدني" ولا غيره من السوريين مثل هذا الأسلوب من مخابرات النظام، فانقسموا بين محذر من خبثه، وآمل في مصداقيته (أي مصداقية النظام) ورغبته في التغيير، أقلها تحت ضغط الناس، وخوفا من انفجارهم بشكل يخرج عن السيطرة.

وقد كان "المدني" من أنصار الرأي الثاني، بل إنه كان يتحدث بتفاؤل عقب الإفراج عنه، ممنيا نفسه ومن كان يسمعه بـ"خير قادم"، ولكن ما هي إلا فترة من الزمن، حتى تم اعتقال "المدني" من جديد، وكان اعتقالا بلا رجعة، حيث قتل النظام الرجل في معتقلاته ولم يسلم جثمانه إطلاقا، حاله كحال جميع معتقلي دمر الذين لم يستلم أحد من الأهالي ولو شيئا من أشيائهم (ساعة، قميص...)، فضلا عن أن يستملوا جثامين أولادهم، سواء كانت سليمة أو مشوهة ومنقوصة.

ويمثل قتل "المدني" بهذه الطريقة، دليلا أكيدا وإضافيا على أن النظام كان يعرف فعلا من هم خصومه الحقيقيون، وكان يعلم أنه ما من أشخاص يمكن أن يضعضعوا كيانه سوى طلاب الحرية والكرامة والعدالة، ولهذا كان ما دونه "المدني" بخط يده دليلا كافيا ودامغا للحكم عليه بالإعدام.

*سكين الذبح
أضاف استشهاد كل من: "بدران"، "حمروني" و"المدني" نقطة سوداء كبيرة وجديدة إلى ملف المعتقلين في "دمر"، الذي يحار المرء وهو يسمع مروياته أي النقاط هي الأفظع والأبشع والأكثر إدماء للروح، حتى يصل إلى المعلومة التي تؤكد أن 99% من إجمالي معتقلي "دمر" تم اعتقالهم على يد "الفرع 215"، وتم قتلهم في هذا الفرع بالذات أو حتى في الطريق إليه، وأن 90% من هؤلاء كان المسؤول الأولي عن اعتقالهم وقتلهم صف ضابط طائفي يكنى "أبو علي"، واسمه الحقيقي "سلامة عديرة".
ومن حسن حظ "حمزة" أو سوئه، أنه رأى "عديرة" بأم عينه وجلسه معه وتعرف إليه عن قرب، عندما سيق "حمزة" يوما للتحقيق على يديه في الفرع 215.
أول ما أدهش "حمزة" حسب ما يروي، أن "عديرة" ألصق على جدار مكتبه صورتين لعالمي دين اعتبرا في مرحلة ما، رمزين من رموز الثورة على النظام والتحريض على الانتفاض ضده، لكن هذه الدهشة سرعان ما زالت مع انطلاق "عديرة" بحديثه وهو يشير إلى الصورتين ناعتا من فيهما بأنهما أعداء الدين، قبل أن يخرج من درج مكتبه مصحفا وهو يقول "هذا دستورنا".

سلوك وكلام "عديرة" المشحون بكم كبير من التناقضات يفضحها المكان والشخص والنظام، دفع "حمزة" لمسايرته بنفس طريقة "الاستغفال" التي يلعبها، حتى انتهت جلسة التحقيق.

ويقدم "حمزة" لـ"زمان الوصل" وصفا جسديا لـ"عديرة" قائلا إن هذا السفاح الذي تورط بدماء المئات من أهالي دمر فقط، فضلا عن أعداد غير معلومة من بقية المناطق، هو شخص نحيل متوسط الطول أسمر البشرة متطاول الوجه، انحسر شعر رأسه من الجانبين وبقي ناميا في الوسط.

وقد كان "عديرة" يتخذ من "حاجز التعمير" الواقع على جسر دمر باتجاه قاسيون، مقرا لعملياته ومنطلقا لحملات الدهم والاعتقال المستمرة التي كان يشنها ضد حي "دمر"، بمساعدة صف ضابط آخر يكنى "أبو بشار".

وعلى عكس سفاحين آخرين كان "عديرة" يجمع إلى إجرامه خصلة المجاهرة به على رؤوس الأشهاد (في الشارع وليس ضمن الفرع أو الحاجز)، فقد كان يمر أحيانا في حي "دمر" ليوقف شخصا ما، ويخبره بمنتهى الوقاحة عن أخ أو ابن أخ أو قريب له مطلوب، قائلا: "ما رح إهدى (لن أهدأ) لجيب لكم راسو (رأس قريبك) بكرتونة"، بل إنه قرع باب إحدى النساء مرة وردد أمامها نفس الجملة حول زوجها، وقد كرر هذه الجملة أمام عدد من أهالي "دمر" وما زال بعض من سمعوا هذه العبارات أحياء، ومستعدين للشهادة بما سمعوه ورأوه.

وقد بقي "عديرة" السكين التي يذبح بها ضباط الفرع 215 معتقلي دمر حتى عام 2015، حيث نقل إلى مكان آخر، ليتابع جرائمه، وأشيع إبان اغتيال "اللواء حسن دعبول" عام 2017 أنه قتل في نفس العملية، لكن "حمزة" ينفي ذلك، ويؤكد أن الرجل ما زال حيا وما زال يمارس نشاطه الإجرامي، ومن هنا فإن التمكن من القبض عليه وإحضاره (أي إحضار عديرة) سيمثل فرصة نادرة لفتح صناديق سوداء كثيرة حول الفرع 215، وفروع المخابرات عامة.

ولم يكن "عديرة" يتكفل بالمداهمة والاعتقال وتسليم الأشخاص إلى فرع 215 مباشرة ليذبحهم، بل كان أيضا يتولى تصفية بعض المعتقلين حتى قبل وصولهم للفرع، رغم قصر الزمن اللازم لقطع المسافة بين حي "دمر" ومقر الفرع، والذي يقارب نحو 20 دقيقة وسطيا.

ويبدو أن بشار الأسد قد سلم حي "دمر" وأهله بشكل رسمي ونهائي للفرع 215 حصرا، وإلى عتاة ضابطه مثل شفيق مصة وحسن دعبول، حيث إن كل من تم اعتقالهم من "دمر" تم سوقهم إلى هذا الفرع تحديدا وتصفيتهم داخله، باستثناء عدد محدد قوامه نحو 25 معتقلا قيل إنهم حولوا من "215" إلى جهة مجهولة، دون أن تتأكد هذه الأخبار بشكل قطعي.

وقياسا إلى حجم استيعاب الفرع 215، والتي تقول معلومات حصرية لـ"زمان الوصل" إنه يبلغ قرابة 7 آلاف معتقل، فإن معتقلي حي "دمر" وحده يشكلون سُبع عدد المعتقلين الإجمالي في الفرع في مرحلة من المراحل (يتم تفريغ الفرع بشكل دوري وممنهج إما عبر القتل أو تحويل المعتقل إلى مكان آخر)، أي إن واحدا من كل سبعة معتقلين في الفرع كان يوما ما من أهل دمر.

وفضلا عن التصفيات الفردية، التي أتت على معظم معتقلي "دمر" في الفرع 215، فقد شهد الفرع في سنة من السنوات مجزرة جماعية بكل معنى الكلمة سماها العارفون بأمرها "مجزرة الطاعون"، حيث تفشى مرض الطاعون الرئوي بين نزلاء إحدى الزنازين الجماعية (المهاجع)، فـ"داواه" العميد شفيق مصة بإصدار أمر يقضي صراحة بقتل كل المصابين في هذا المهجع، فقضى 45 من معتقلي دمر في هذه المجزرة وحدها.

*ثقلان فوق الفاجعة
حرص "حمزة" الدائم على مصير معتقلي بلده، دفعه لملاحقة أخبارهم من أي مصدر، والمسارعة للسؤال عنهم من أي معتقل يخرج حيا، ومن بين من تواصل معهم المعتقل الشهير "عمر الشغري" الذي فجع "حمزة" وهو يخبره أن ينسى أي أمل في نجاة أحد من معتقلي "دمر" الذين كانوا في الفرع 215، حيث أخبره بمآسي قتل وتعذيب يصعب تخيلها، ومن إحداها أن "شاويشا" قتل لوحده 50 معتقلا من دمر، (الشاويش هو مسجون ذو ميول إجرامية مفرطة يعينه النظام آمرا على الزنزانة الجماعية يتحكم بمختلف الأشياء فيها من نوم وأكل وسواها، وهو مندوب النظام الفعلي داخل الزنزانة).

وإذا كان الفرع 215 بجلاديه هو المسؤول المباشر والمتورط الفعلي بدماء مئات المعتقلين من "دمر"، فإن الشبيحة والعملاء من سكان وأهالي الحي، كانوا اليد التي بطش بها النظام، والعين التي تجسس بها على كل من نشط في صفوف الثورة، وهؤلاء العملاء متورطون كتورط الجلادين، لعلمهم أن الوشاية تعني توقيع قرار إعدام رسمي يكلف الشخص حياته، وليست مجرد تقرير عابر يمكن للشخص أن يتملص منه، عبر دفع رشوة للضابط، أو عبر الاستعانة بـ"واسطة ثقيلة"، كما كان يحدث قبل الثورة تحاشيا لشرور المخابرات وافتراءاتهم.

وكغيرهم ممن باعوا ضميرهم نهائيا، لم يكن عملاء النظام في الحي ليوفروا حتى أقرب المقربين منهم، بل إنهم استغلوا الظرف القائم لتصفية الحسابات مع أي شخص كانت له في يوم من الأيام خصومة معه، مثلما حدث مع أحد العملاء الذي وشى بزوج أخته (صهره)، لمجرد أن الأخير اختلف مع أخته يوما ما، فاعتقله النظام ولقي حتفه تعذيبا، كما يروي "حمزة".

ولما كان قرار النظام الواضح تصفية أي شخص يبقى في الحي، حتى ولو كان يعمل في الشأن الإنساني والإغاثي، فقد كثف جهوده في صيف 2014 لملاحقة وكشف واعتقال وتصفية كل أعضاء المجلس المحلي بدمر، وهو هيئة مدنية الطابع والأهداف، واستطاع أن يعتقل ويقتل تحت التعذيب 9 من أعضاء هذا المجلس، موجها له ضربة قاسية جدا، فيما نجا الأعضاء الستة الباقون من المصير الأسود، ومن بينهم "حمزة"، الذي ينوه أن جهود التوثيق فقدت جزءا مهما من زخمها بعد هذه الضربة، ومع ذلك فقد بقيت مستمرة في حدها المقبول، التزاما بالحفاظ على حقوق شهداء التعذيب والمعتقلين، وعدم دفنها تحت ركام النسيان أو شطبها بموجب مفاوضات واتفاقات، فثمل هذه الملفات لا ينبغي أن تغلق أو تسقط بأي تقادم، ومن يتحدث عن ضرورة إغلاقها لوقف "النزيف" في سوريا وتحقيق "المصالحة" هو شخص يحتاج إلى مراجعة رؤيته للثورة والنظام معا، فلا هو تشرب روح الثورة القائمة على رفع الظلم وفرض العدل، ولا هو أدرك بعد كل هذه الجرائم طبيعة النظام القائمة على مقولة: إن لم تنفع الوحشية، فعليك بالمزيد من الوحشية، وإن لم ينفع المزيد، فعليك بالمزيد المزيد، حتى تذعن الضحية بل وتطلب منك الصفح، وتعود إليك راجية أن تستعبدها كما كان من قبل وأشد.

وكدليل واقعي على هذه الطبيعة التي يتفرد بها نظام الأسد، يضيف "حمزة" إلى كل الأثقال الكارثية لملف المعتقلين ثقلين آخرين، الأول: تهجير عائلات الثائرين وضحايا التعذيب من دمر ومن سوريا كلها، تحت وطأة التهديد بالقتل والاعتداء على الأعراض (كابدت هذا النمط من التهجير نحو 700 أسرة)، والثاني: الاستيلاء على أملاك المعتقلين وضحايا التعذيب في "دمر"، وهناك نحو 80 حالة تم فيها الاستحواذ على عقارات هؤلاء (بيوت، محال، أراض..)، إما بطريق "السلبطة" المباشرة، أو عن طريق قرارات حجز ومصادرة ظاهرها قانوني وباطنها انتقامي جائر.

وفي إحدى حالات السطو الموصوف على أملاك ضحايا التعذيب، قام أحد شبيحة النظام الطائفيين القدمين من خارج الحدود بالاستيلاء على منزل لامرأة قتل زوجها وولدها تحت التعذيب، كما استولى الشبيحة على دكان كانت المرأة تتكفف من إيراده بعد تغييب زوجها وولدها.


أو انظر أدناه 




إيثار عبدالحق- زمان الوصل-خاص
(957)    هل أعجبتك المقالة (1212)

أبو محمد

2020-04-10

نرجو منكم البحث عن موضوع استعمال السجناء السياسيينفي تجارب الأسلحة الكيماوية لقد سمعت شهادة صديقي وهو ممن اجريت عليه التجارب في المجموعة متوسطة التركيز وخرج بعاهة دائمة في الجهاز التنفسي وعقم.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي