ربما يتوقع بعض السوريين لإدلب مشهدا مختلفاً عم ما حصل في درعا وقبلها الغوطة، لكن يبدو أن قطار التسوية السياسية القادم من الخارج مستمر في مهمته، بتنفيذ روسي وتفاهمات دولية.
ولم تقلل تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو المخاوف، إثر لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف، فالموقف التركي لم يحذر من عملية عسكرية، بل من مجزرة، وعبارة ضرورة تحديد الإرهابيين التي أطلقها المسؤول التركي تعني بالضرورة قبولاً بنوع من العمل العسكري، بل تأكيداً على هذا القبول، وربما يزيد في احتمالات هذا التحول تلك الظروف الصعبة التي تركت آثارها على الاقتصاد التركي جراء خلاف عميق مع الولايات المتحدة، ظاهرة قضية قسّ إنجيلي، وباطنه مشروع كبير في المنطقة.
كان يمكن التعويل على تحليلات تقول بأن صداما روسيا ـ تركيا سيحصل في حال قيام النظام بعمل عسكري في إدلب، إلا أن ظروف أنقرة لا تسمح بمضاعفة الأعداء، كما أنها قد تفكر بتعويض شيء من خسارتها بتغيير المشهد جنوباً، وإيجاد منافذ للبضائع عبر إعادة فتح المعابر والوصل إلى أسواق المنطقة المغلقة أمامها منذ سنوات، بسبب حالة الاستعصاء، وتضارب المصالح على المشهد السوري أولا، والإقليمي تالياً.
ليس من حق المحللين في السياسة اتهام تركيا بخيانة القضية السورية، فالقضية ماضية إلى مصيرها، وقرار تخميد الحرب جرى اتخاذه تمهيداً للتفاهم على مرحلة إعادة الإعمار، ومع قلّة المعروض فالجميع يريد شيئاً من الكعكة السوريّة، إذ ثمة كتلة من مال الكوارث والصراعات لا بدّ أن تتحرك بعد جمود طويل، كما أن خط التجارة "شمال – جنوب" يمثل بديلا اقتصادياً معقولاً، وهو يتطلب تبديلاً سياسياً كبيراً.
إذن.. طالما أن معركة التخميد وصلت إدلب، وعلى فرض أن التسوية أمر مفروض بناء لتقاطع المصالح، فما الذي سيحصل، وهل يتخلى الأتراك عن الاقتصاد الموازي والذي نشأ على الحدود وبامتداد عشرات الكيلومترات على طرفي الحدود، خصوصا في ريف حلب وإدلب وريفها، مقابل علاقات مع "دولة"، كما بات يرى الأردنيون الأمر.
في السياسة حسابات كثيرة، وفي موضع الملف السوري يمكن طرح عدة نقاط يمكن أن يبني الأتراك سياستهم على أساسها.
يقول المثل التركي "حيث يتجه الرأس تسير الأطراف"، وطالما أن الأزمة مع واشنطن أكلت من اقتصاد الأتراك أكثر مما يتوقعون، فطبيعة الحال سيكون الردّ على طريقة "العثمانية"، فالتاريخ يشير بأن الامبراطوريات تعود من جديد، وتعود بعودتها الصراعات وإن بشكل مختلف، أو محاور متغيرة.
قد يفكر الجريح التركي بالانتقام، إذ إنه يشعر بأن حصاد العلاقة مع أمريكا كان كمن يصب الماء في الرمل لعقود، فلا الناتو أشعر أنقرة بالدفء عندما شعرت بالتهديد، ولا الإدارة الأمريكية استجابت في قضية فتح الله غولن، كما أنها بنت تحالفاً مع خصوم الأتراك على الأرض السورية.
ربما يدير الروس الرأس التركي، وغالباً إن حصل فإن على قوى الأرض في إدلب أن تفهم طبيعة المعركة ومسارها، ولا يستبعد أن يطلب الأتراك ثمنا سياسيا، وهو غالباً يتعلق بالملف الكردي، أما الملايين من السوريين على أراضيهم فذلك ملف آخر.
*علي عيد - من كتاب"زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية