أما وقد سيطر النظام أو يكاد على كامل الأرض السورية أو جلها، وأخذ اليأس مأخذه من حاضنة الثورة، بات لزاماً على أهلها إفراز قوى جديدة تتعامل مع المرحلة الراهنة بطريقة تمكنها من امتلاك ناصية التأثير، أو بعضها، مستفيدة من أخطاء السنوات الماضية ودروسها القاسية.
وإن كان الكثير من أهل الداخل تحكمهم ظروف الأرض، فإن الملايين في بلاد اللجوء لاسيما من يملكون حرية الحركة والتعبير وربما القليل من الإمكانيات المادية مقارنة بأهل المخيمات، مطالبين أكثر من أي وقت مضى بممارسة الفعل الثوري الحقيقي.
فالثورة فعل مستمر لا ينتهي بخسارة عسكرية ولا يدوم بنصر، وهي فكرة أوسع وأكبر من أن توضع في مخزن بندقية، مثلما أنه لا تؤطر فقط بحالة سياسية تضم عددا من "العجائز"، وبطبيعة الحال هي أيضا ليست "إسوارة" توضع بالمعصم تحمل ألوان علمها كما يفعل الكثير من اللاجئين السوريين الشباب في أوروبا، من الذين أخذتهم الحياة الغربية بكل تفاصيلها، جميلها بما فيها من علم وجامعات، وقبيحها بما فيه من شذوذ السلوك والإدمان و"الحشيش" الذي لا يقل حضوره عن حضور "السجائر" في يوميات الكثير منهم.
وفي هذه الزحمة، لا حضور للثورة إلا في حديث الذكريات، وربما في بضع كلمات تكتب على جدران العالم الافتراضي، وقد يمر ذكرها كسلوك "معارض" مرور العابرين في هذه "الجمعية" أو تلك كمدخل للحصول على تمويل لا يذهب نتاج معظمه لخدمة فكرة الثورة فحسب، بل يصبح معولا إضافيا يضاف لجوقة المعاول التي تهدم ليس فقط مفهوم الثورة بل بنية الأسرة السورية برمتها، وكلما غابت فرص التمويل كلما غابت فكرة الثورة، ومن البدهي أن الكلام ليس على إطلاقه، ولكن التيار الغالب يسير بهذا الاتجاه، ولو لم يك كذلك لما كان الحراك السياسي الثوري غائبا عن التجمعات الكبرى للسوريين المشغولين بعمومهم بالبيروقراطية الورقية في دول اللجوء لاسيما الأوروبية منها.
انشغال السوريين في أوروبا والكثير ممن هم في تركيا بيومياتهم أمر طبيعي، لكن ما هو محل استغراب أنهم ورغم عددهم الكبير لم يتمكنوا من فرز كتلة صلبة من بينهم قادرة على إدارة المرحلة بطريقة واعية للمتغيرات التي طرأت على الملف السوري، مرحلة بدأت تتحول فيها "المأساة" السورية إلى مسألة منسية رغم جرحها النازف.
الأمر قد لا يكون من السهولة بمكان، لكن هذا العالم الذي أدار ظهره لثورتهم، ودفع بهم للقفز فوق الحدود، يملك من قذارة "الواقعية السياسية" ما من شأنه أن يعيدهم قسرا إلى حظيرة دُفع في سبيل هدم جدرانها دماء مليون إنسان.
مسؤولية المبادرة تقع على عاتق الجميع، لكن المثقف الذي شكى وتباكى كثيرا من سيطرة البندقية وتهميشها لدوره، ها هي وضعت جانبا، أو تكاد، وما عليه إلا أن يتقدم ويخرج من قوقعة الوجدانيات إلى الفعل العام.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية