أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

البقاء للغشيم.. فؤاد عبد العزيز*

الكاتب: مصيبتنا الكبيرة، لم تكن مع النظام فحسب، وإنما مع جماعتنا أنفسهم

كنت أتحدث قبل أيام إلى أحد مقاتلي الجيش الحر سابقا في المنطقة الجنوبية، في محاولة للاستفسار عن أحواله بعد الأوضاع الجديدة، ومدى الخطر المحتمل على حياته في ظل سيطرة الروس والنظام على المنطقة، ففوجئت به يقول لي بأن الأوضاع ممتازة، ثم أخذ يحدثني عن مشاريعه للانضمام للفيلق الخامس الذي شكلته روسيا، وبأنهم يدفعون مبالغ محترمة للمقاتلين هناك، أفضل مما كان عليه الوضع أيام الجيش الحر.

في هذه الأثناء لم يخطر ببالي أن أقول له سوى جملة واحدة، وهي "الله يلعن هالوطن اللي جمعنا فيكم"، لكني أخذت نفسا عميقا، وحاولت أن أقيس ما تبقى لديه من روح ثورية، مذكرا إياه بجرائم النظام والروس بحق أهله والناس والبلد، إلا أنه عبث .. وكأنك تتحاور مع حائط، أحدثه شرقا، فيرد غربا..!

في الواقع، هذه هي الفئة التي سعى النظام لبقائها داخل البلد، ومن ثم قام بتهجير كل الفئات التي يمكن أن تشكل خطرا عليه، دافعا إياها تحت ضغط العنف المفرط والتهديد بالاعتقال أو التصفية، إلى مغادرة البلد باكرا، لأنه كان يعلم، أن من يحمل بندقية ولا يحمل رأسا، فإنه من السهل السيطرة عليه، بينما المشكلة بالنسبة له، كانت مع أصحاب الرؤوس.

وأكثر من ذلك، عمدت الدول التي ادعت دعمها للثورة السورية، بتولية قادة عسكريين، يحملون ذات المزايا والصفات، عضلات بلا رؤوس، وهو ما كانت نتيجته فيما بعد، مباحثات أستانة، ثم بدء تسليم منطقة تلو الأخرى بلا قتال.

وأتذكر في هذه المقام، أحد أقاربي من الجيش الحر، رحمه الله، الذي كان يحمل قلبا شجاعا، لكنه بنفس الوقت كان يحمل رأسا فارغا. 

أحد المرات، وبعد أن قام بركل تمثال لرأس حافظ الأسد، على مرأى من عناصر الأمن في بداية الثورة السورية، كان لا بد أن يثني الجميع على فعلته هذه، وكنت أحدهم، وبعد ان كلنا له المديح، نظر إلى ثم قال: أستاذ أريد أن أسألك سؤال: لما نحن ثائرون على النظام..؟ 

فما كان مني إلا أن غشيت من الضحك، وقلت له مازحا، لله درك يا رجل .. الأفضل أن لا تعرف، لأنك لو علمت مطالبنا السياسية، لربما شعرت بتفاهتها، مقابل إحساسك بالانتقام من هذا النظام الذي يقتل أهلك ويريد أن يدمر بيتك ويعتقل أمك وإخوتك.

للأسف هذه الشخص نفسه، وبدل أن يتم توظيفه مع قيادة واعية، تقود شجاعته وإقدامه، تم إعطاؤه دورا أكبر من حجمه بكثير، إذ كان يتم استدعائه للأردن بين الفترة والأخرى، ويستقبل كالأبطال، ثم تجرى معه المقابلات التلفزيونية ليقول كلاما غير متزن. 

ومرة اتصلت بمدير قناة "سوريا الشعب" بعد أحد لقاءاته، مؤنبا إياه على إجراء لقاء معه على الهواء مباشرة، وبأن ذلك مما قد يسيء لفكرة الثورة والجيش الحر، لأن موقع هذا الرجل ليس هنا، وإنما في ساحات القتال، فلم أحصل منه على مبرر مقنع سوى أن لديه توجيهات بتسليط الضوء على هذه النوعية من الشخصيات على أنها هي من تقود ثورتنا.

ولاحقا، تمت تصفية هذا الشخص على يد جبهة النصرة على الأغلب، وأظن لو أنه بقي على قيد الحياة، ولم يتم العمل على وعيه، لكان اليوم أحد المنضوين في الفيلق الخامس الروسي ... والله أعلم.

لذلك فإن النظام الذي يتباكى اليوم على هروب أصحاب العقول من البلد، إنما ذلك كان هدفه منذ البداية، من أجل أن يتبقى في البلد من هم على شاكلته، أو ممن يشبهون رجالاته.

وبدورها الدول التي تحكمت بتمويل الجيش الحر، تقصدت اختيار قيادات تشبه قيادات النظام، ليس بينها من يحمل مشروعا سياسيا في رأسه، وقادرا بنفس الوقت على تثوير من ينضوون تحت قيادته لخدمة هذا المشروع، وهو ما سهل في النهاية، وكما رأينا، من عمليات الالتقاء بين الطرفين في خندق واحد.

وما ينطبق على الجيش الحر، يمكن سحبه على التشكيلات الإسلامية، فهي الأخرى لم تكن تحمل مشروعا سياسيا، وكان ذلك من دواعي سرور النظام، لأنه يعلم أن مشروعها الآخر، الديني، لن يواجهه لوحده، وإنما ستقف بوجهه جميع دول العالم، بما فيها تلك التي دعمتها.

ألم نقل سابقا، أن مصيبتنا الكبيرة، لم تكن مع النظام فحسب، وإنما مع جماعتنا أنفسهم..! 

*من كتاب "زمان الوصل"
(227)    هل أعجبتك المقالة (225)

Free Syrian

2018-08-16

صح فوك. لكن برأيك ما الحل لتستطيع تلك العقول الرجوع إلى سوريا؟.


Free SYrian

2018-08-20

يبدو أن الكاتب لا يهمه من يقرأ له ويذكرني بمتلازمة الكتاب اليساريين وزوبعة الثورة في الصومعة وليس بالفنجان.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي