أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سيناريوهات إدلب.. عبد السلام حاج بكري*

إدلب اليوم على صفيح ساخن - جيتي

لم يقتصر استخفاف الدول الضامنة في أستانة على تغييب طرفي المعادلة السورية عن المناقشات الحقيقية والقرارات التي أعقبتها، بل تعداها إلى عدم إطلاعهما على المخرجات التي خلصوا إليها، هذ ما وضع الطرفين في حالة ترقب وانتظار للأوامر من المشغّلين والضامنين، لا النظام يعرف ما هو المطلوب منه تجاه محافظة إدلب، وكذلك فصائل المعارضة التي بدورها تنتظر إشارة الراعي التركي.

إدلب اليوم على صفيح ساخن، تحوط بمآلها احتمالات عدة، تتوزع بين المجهول والمحسوس، فالقصف الجوي من طيران النظام وروسيا والحشد البري من جيش النظام الميليشيات الطائفية يوحي باحتمال محاولة اقتحامها "أو بعضها"، فيما يحمل المجهول مؤشرات أخرى يمكن إيجازها فيما يأتي.

أكبر الاحتمالات أن يعمل النظام وحلفاؤه الميدانيون على قضم جغرافية المحافظة قطعة بعد أخرى عبر عمليات طويلة المدى، ويمكن أن يوقفها اتفاقات تتم خلالها يتمكن فيها المتفوق من فرض شروطه وتثبيت ما يريد على الأرض.

وهذا ما ترغب به أمريكا وتدفع روسيا لتنفيذه مع نظام الأسد بهدف زيادة الضغط على تركيا الوصيّة على المحافظة وتنتشر فيها نقاط مراقبة لها، لعلّها بذلك ترغمها على إطلاق سراح القس الإنجيلي الأمريكي المحتجز لديها لكسب أصوات الطائفة الإنجيلية في الانتخابات النصفيّة الأمريكية التي تمثل ربع أعداد الناخبين.

لن يغامر مشغّلو النظام بدفعه لاقتحام كامل المحافظة حتى لا يضطر مئات الآلاف لتكرار النزوح، وهذه المرة لا مكان يلجؤون إليه سوى تركيا، وأكثرهم سيعتبرها ممرا لعبور البحار تهريبا إلى أوروبا، وهذا مرفوض دوليا. 

أما ثاني الاحتمالات التي تحملها مؤشرات التصعيد الجديد في المحافظة فيدور حول تنفيذ اتفاقات وقّعت في آخر أستانة "حسب تسريبات"، وتنص على تبادل السيطرة على مواقع جغرافية بين روسيا والنظام والميلشيات من جانب، وبين تركيا وفصائل المعارضة من جانب آخر، وتشير المعطيات إلى منح النظام مناطق في ريف إدلب الغربي والجنوبي وصولا إلى جسر الشغور مقابل مناطق يخليها في شمال حلب وشرقها، ولا يستبعد خروجه من المدينة أيضا بمعارك تدار بالريموت كونترول. 

هذا الاحتمال تعارضه إيران حيث تريد لميليشياتها البقاء في حلب ونبل والزهراء، وتضغط روسيا لتعديل مفرداته لتحقيق مكاسب أكبر على حساب الجانب التركي، وقد تجد تركيا نفسها مرغمة على قبول الطروحات الروسية للتفرّغ لمعالجة مشاكلها الاقتصادية مع هبوط قيمة الليرة.
إن قوة أحد الاحتمالين السابقين لا تنفي وجود احتمالات أخرى، مثل أن تحصل مواجهة كبرى بين فصائل المعارضة وقوات النظام وداعميه، حيث من غير المستبعد أن ترفض تركيا الخضوع للرغبات الروسية، وكذلك لا تسمح لنظام الأسد بالتقدم إلى مناطق خفض التصعيد ونقاط مراقبتها، وهذا ما يفرض عليها فتح حدودها أمام الإمدادات العسكرية لفصائل المعارضة وربما مشاركتها في صد هجومه.

في هذا، تعتمد تركيا على مبررات قوية تتمثل بالتزامها باتفاقات الأستانة السابقة ومناطق خفض التصعيد ونقاط المراقبة المتفق عليها والتي تشمل كل المواقع التي تسيطر عليها فصائل المعارضة اليوم، وهي تراهن على أن روسيا لن تكون قادرة على استباحة أربعة ملايين مدني في المحافظة بطيرانها، وعلى أن العالم لن يسكت على ذلك إن حصل، كما أنها قد "تركب رأسها" وتقرر مواجهة الضغوط الأمريكية الاقتصادية بانتصار "أو صمود" خارجي يحسب لها. 

يعزّز هذا الاحتمال القصف الشديد لقوات المعارضة على مواقع للنظام في ريف إدلب الجنوبي واللاذقية، وهو الأمر الذي يحصل للمرة الأولى منذ وقت طويل، وبالتالي إعلان عملي لانتهاء اتفاقات خفض التصعيد والرد على القصف بمثله، تمهيدا لدخول مرحلة جديدة على الأرض، وإذا ما بادرت فصائل المعارضة للهجوم، وهذا ما لم يستبعده قادة ميدانيون تحدثت، فإنها قد تقلب المعادلة، وتجعل من كل الاحتمالات المطروحة مجرد حبر سُفح على ورق.

*من كتاب "زمان الوصل"
(127)    هل أعجبتك المقالة (113)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي