لا يعرف الكثير من السوريين عن هذا الاسم إلا القليل، أو ربما لم يسمعوا به أو يروه إلا عندما بث إعلام نظام الأسد قبل ثلاث سنوات ما قال إنها اعترافات لأحد "الإرهابيين" من أبناء مدينة السويداء، متهما إياه بالتخطيط والتنفيذ والقيام بعمليات تفجير واغتيال في مدينة السويداء، في مسرحية اعتاد نظام الأسد تمثيلها لإبعاد التهمة عن أفرع مخابراته التي اغتالت الشيخ "وحيد البلعوس" مؤسس حركة "رجال الكرامة" والمعروف بمواقفه المعارضة لنظام الأسد ورفضه التجنيد الإجباري لأبناء السويداء وسوقهم إلى جبهات يقتلون فيها إحوانهم السوريين.
واليوم يعود اسم "الوافد أبوطرابة" مجددا إلى الواجهة وذلك بعد تبليغ أمين السجل المدني في مسقط رأسه مدينة "السويداء" بلاغا من محكمة الميدان العسكرية الثانية في دمشق يعلم به دائرة السجل المدني أن الوافد قد فارق الحياة بتاريخ 25/2/2016، وقد نوه الكتاب المذكور بأن تأخر الإبلاغ جاء بسبب الظروف، وخلا من ذكر أي سبب للوفاة، طالبا تسجيل واقعة الوفاة لدى دائرة السجل المدني، ما يرجح إعدام محكمة الميدان له التي توصف بأنها إحدى المحاكم العسكرية الاستثنائية أعدمت آلاف السوريين منذ الثمانينات الى اليوم.
وبدأ النظام بإرسال "قوائم الموت" إلى دوائر السجل المدني في عدة مناطق سورية، تضم أسماء آلاف المعتقلين من ضحايا القتل تحت التعذيب في معتقلات الأسد، دون إرسال جثامين أي منهم.
"زمان الوصل" تواصلت مع أحد أقرباء "أبو طرابة"، وحصلت على معلومات تنشر لأول مرة عن "الوافد أبوطرابه" وحياته ودوره في الثورة السورية حتى اعتقاله وتسليمه لنظام الأسد.
*سيرة ذاتية
ولد "الوافد نايف أبو طرابة" في مدينة السويداء عام 1969، والده هو الشيخ "أبو علي نايف أبو طرابة" أحد وجهاء المدينة الموثوقين لدى الأهالي نظرا للمكانة التي يتمتع بها لرجاحة عقله وحكمته، كما كان أيضا جزارا (لحاما) ومزراعا يملك عددا من بساتين التفاح التي يشتهر سكان جبل العرب بزراعته، وتاجرا للمواشي، حسب قريبه.
يضيف المصدر الذي تحفظ على ذكر اسمه "في هذا البيت ترعرع ونشأ "الوافد"، لكن حبه وعشقه للسيارات دفعه إلى ترك مهنة والده بالجزارة والزراعة مبكرا ليفتتح ورشة خاصة به لإصلاح السيارات وبيع قطع الغيار في المنطقة الصناعية في مدينة السويداء، حيث برع وأبدع في مهنته حتى ترأس اتحاد الحرفيين لتلك المهنة في المدينة، كما عين خبيرا لتقدير الأضرار الناتجة عن حوادث السير والاصطدام، الأمر الذي كان سببا في تقرب بعض مسؤولي وضباط النظام منه.
وبسبب تواضعه وكرمه جذب الوافد محبة الكثير من الناس، فقد عرف عنه أياديه البيضاء ومساعدته للفقراء وكفالته لعدد من الأيتام في المدينة".
ويتابع قريب أبو طرابة "في سن الـ17 انتسب "الوافد" الى ما يسمى "جبهة الخلاص الوطني" – "قوات الشهيد كمال جنبلاط"، التي منع نظام الأسد نشاطها لاحقا، حيث كانت تلك الجبهة تحيي كل سنة ذكرى الثورة السورية الكبرى التي قادها الشيخ "سلطان باشا الأطرش" ضد الاستعمار الفرنسي عام 1925، من خلال تظاهرات كانت تتعرض للقمع والملاحقة لناشطيها الذين كان "الوافد" في مقدمتهم مدافعا عن زملائه".
وخلال تأديته للخدمة العسكرية تميز "الوافد" بفن الرماية ودقة إصابته، وحصل على المركز الأول في بطولة الجمهورية بالرماية وأهدي مسدسا حربيا مع رخصته من وزارة الدفاع، كما يقول قريبه.
وكشف أن بعض أصدقائه للترشح لعضوية مجلس مدينة السويداء عام 2007، لتكون المفاجأة الصاعقة وهي نجاحه بعدد كبير من الأصوات فاقت حتى مرشحي النظام من البعثيين وأعضاء "الجبهة الوطنية التقدمية" رغم أنه دخل تلك الانتخابات كمستقل، وخلال عضويته في المجلس لاحظ أبو طرابة جوانب كثيرة من الفساد وكشف بعض جرائم سرقة المال العام التي يرتكبها بعض أعضاء المجلس، الأمر الذي دعا أفرع أمن النظام في دمشق لاستدعائه أكثر من مرة واستجوابه والتحقيق معه حول آرائه التي كان يبديها داخل المجلس.
*موقفه من الثورة
وأكد قريب "الوافد" أن الأخير وقف إلى جانب المتظاهرين السلميين بعد اندلاع الثورة السورية وامتدادها إلى السويداء، وعمل على حمايتهم وذلك بعد هجوم مرتزقة النظام عليهم وتمزيق صور قائد الثور السورية "سلطان باشا الأطرش".
ودعا إلى نبذ أي شكل من أشكال العنف والاقتتال والفتنة بين أبناء المحافظة خلال اجتماع عقده في منزله حضره جوالي 400 شخص من وجهاء وأعيان السويداء، أعلن خلاله إدانته لسياسة الاعتقال والقتل الذي تمارسها قوات النظام ضد المتظاهرين السلميين في سوريا.
وانضم لاحقا بعد ما عرف بأحداث الجبل إلى ثوار السويداء بقيادة الملازم أول المنشق "خلدون زين الدين"، وهو ما دفع نظام الأسد ومخبريه إلى العمل على تشويه سمعته داخل السويداء، كما حاول النظام اغتياله عدة مرات من خلال أزلامه إلى أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل.
وبعد ما شاب العمل الثوري أيضا من فساد كشفه أبو طرابة بنفسه، قرر مغادرة سوريا للأردن التي عاد فيها إلى مهنة والده الجزارة وافتتح "ملحمة"، إلا أن ذلك لم يدم طويلا، حيث تعرض للتضيق عليه من قبل بعض عملاء النظام، مما أجبره على مغادرة الأردن إلى مصر التي استرد فيها بعضا من ديونه السابقة من عمله بتجارة وتصدير التفاح لبعض تجارها، ومنها سافر إلى تركيا التي افتتح بها مطعما شغل به بعضا من شباب بلده الهاربين من ملاحقة نظام الأسد، كما عمل أيضا صواجا للسيارات في مدينة "مرسين".
*العودة إلى السويداء
يواصل المصدر حديثه لـ"زمان الوصل" موضحا أن شوق "أبو طرابة" لعائلته وخاصة بعد التضييق عليهم وإغلاق ورشته في المنطقة الصناعية التي تعد مصدر رزقه الوحيد، دفعه للعودة خلسة إلى السويداء، حيث كان يتردد إلى منزله أحيانا ليطمئن على عائلته، كما نسق خلال تلك الفترة مع رجال الشيخ "البلعوس" وعمل معهم على تحرير الأسرى لدى "جبهة النصرة" وقتها، كما ساهم في إيصال السلاح لرجال الشيخ "البلعوس"، وهذا ما دعا النظام إلى التخلص من الاثنين معا.
ويضيف "بعد أربعة أشهر من عودته إلى السويداء وبينما كان في منزله يوم الجمعة 4/أيلول من العام 2015 حدثت تفجيرات في مدينة السويداء استهدف إحداها الشيخ "أبو فهد وحيد البلعوس" الذي يعرف باسم "شيخ الكرامة"، وراح ضحيتها عشرات المدنيين من أبنا ء المحافظة، فما كان من "أبو طرابة" أمام هذا المشهد الدامي في المحافظة إلا "الفزعة" أي النجدة لأهل مدينته، متوجها لساحة المدينة التي ساد فيها الكثير من الفوضى والاضطراب، ورافق ذلك مظاهرات غاضبة اتهمت النظام بالمسؤولية عن التفجيرات حطم خلالها أبو طرابة تمثال حافظ الأسد أو ما يسميه أهل السويداء تمثال (خمسة شاورما أبو سليم)".
*ليلة القبض على "الوافد"
وكشف المصدر أن "أبو طرابة" بعد ذهابه إلى "مشايخ الكرامة" للاطمئنان عليهم في منطقة "المزرعة"، وخلال تواجده عندهم طلب منه عدة مشايخ آخرين منهم (يحيى الحجار – ومهند سرايا – طاهر جرماني) مرافقتهم للقاء الشيخ "راكان الأطرش" أحد كبار مشايخ طائفة الموحدين الدروز في المنطقة بحجة أن الشيخ راكان يريد لقاء "أبو طرابة" بعد غيبته الطويلة.
لكن ما لم يكن يعلمه "الوافد أبو طرابة" الذي رافقهم تاركا سلاحه أنه سيكون كبش فداء، وأنه قد وقع في كمين غادر نصب له بالتعاون بين خاطفيه والأمن العسكري الذي تسلمه منهم، وأجبره بعد ساعات قليلة على الظهور على شاشته والاعتراف باغتيال شيخ الكرامة "وحيد البلعوس" وغيرها من الاعترافات التي أكد المصدر لـزمان الوصل" براءة "أبو طرابة" منها ومن كل ما اتهمه به النظام ونسب إليه.
وختم المصدر حديثه موضحا أن ادعاء النظام من جانبه أن "الوافد" فارق الحياة، لا نصدقه طالما لم يستلم أهله جثمانه والتأكد من وفاته، ومعرفة سببها.
وهو ما أكده بيان لعائلة "أبو طرابة" في السويداء صدر أمس، بعدم قبولها العزاء بالوافد حتى أجل تحدده، وذلك حفاظا على حق أصحاب الدم في تفجيري الجبل والمشفى، مؤكدة تمسكها ببراءة "أبو طرابة" واعتبار اعترافاته تمت بظروف غامضة بعد اعتقاله، منوهين إلى نشرهم بيان مفصل يبين فيه من ساهم بقتل وافد إن صح خبر مقتله.
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية