كلما حدثت كارثة في بلد عربي مشرقي أو مغربي تجد أن اسم إسرائيل يتردد لتبرير الكارثة ويغرقنا المحللون ونجوم المحطات الإعلامية بفيض من التحليلات والتفسيرات وشروحات لأبعاد المؤامرة الإسرائيلية -الصهيونية على الوطن وعلى العالم العربي برمته، وهكذا تكون إسرائيل هي المسؤولة عن الفساد في الدول العربية وإسرائيل وحدها التي تتحمل مسؤولية قتل زهرة الشباب العرب في معتقلات القمع والموت، وإسرائيل أيضا هي المسؤولة عن تهريب الآثار ومؤامرتها في نشر الجهل والأمية واضحة، كما أنها تتآمر مع كل عصابات العالم لنشر البطالة وارتفاع معدلات الجريمة وانتشار ثقافة الموت، فإسرائيل هي المسؤولة عن تدهور التعليم في العالم العربي وتراجع الخدمات الصحية وهضم حقوق العمال والظروف السيئة وغير الإنسانية للطبقة العاملة وإسرائيل هي التي تعطي الأوامر لعناصر الشرطة والأمن في ضرب المعتقلين حتى الموت قبل التحقيق معهم أصلا.
أما حكوماتنا العربية قياداتنا العربية فهي بريئة من كل التهم السابقة وما حاجتهم لتبرير أي حدث طالما أن إسرائيل موجودة واسمها وحده كفيل بتصديق أية كذبة يخترعها الإعلام العربي، ولا تستغرب إن خرجت قناة "العربية" قريبا بتصريح تقول فيه إن الانتقادات الكندية لملف حقوق الانسان في السعودية كانت وراءه أياد صهيونية هدفها زعزعة الاستقرار في المملكة والتشويش على سعادة المواطن السعودي، وبذلك ينسى المتلقي الموضوع الأساس وهو المعتقلون.
يتحول الاهتمام من حديث عن معتقلين وعن حرية رأي إلى حديث عن وجود مؤامرة من عدمها، أما المعتقلون فيصبحون على هامش اية تحليلات تدور حول الموضوع وينسى الجميع أمر حرية الرأي والحريات الأخرى.
إسرائيل تتآمر وهذه حقيقة، بل إن وظيفتها الأساسية هي التآمر ومنع قيام نهضة حقيقية في المنطقة والغرب أوجدها لهذه الغاية، ولكن إسرائيل هذه لا تملك الإمكانات لحبك هذا الكم الهائل من الدسائس المؤامرات المدروسة بعناية والمخطط لها، حيث ينجح تنفيذها بنسب عالية.
هناك دول أخرى تتآمر أيضا ولها أدوار مؤثرة في فشلنا وتراجعنا كشعوب تطمح لبناء مجتمعات الحرية والعدالة والمساواة، فالولايات المتحدة تتآمر وهي تجيد رسم الدسائس والمؤامرات أكثر من غيرها، بل إنها قد تلجأ لمواجهات واضحة كالتدخل العسكري المباشر في حال فشلت المخططات التي رسمتها دوائر استخباراتها بالتعاون مع استخبارات دول عظمى كبريطانيا على سبيل المثال ولعله من المفيد هنا التذكر بحكومة مصدق في إيران والتي أطاحت بها المخابرات الأميركية والبريطانية لأن مصدق أراد حينها تأميم النفط الإيراني.
كل دول العالم تريد تحقيق مصالحها، وهذا ما نسميه بالتآمر والحقيقة أن هذه سياسة، فمن حق أية حكومة البحث عن مصادر تجعل من حياة شعوبها حياة سلسلة نوعا ما وقابلة للعيش، هذه ليست مؤامرات إلا في أذهان مشغلي الإعلام العربي والذين يريدون إقناع الشارع العربي بأن حكوماته من أفضل وأنقى وأذكى حكومات العالم لولا التآمر الغربي ...آه يا لهذا الغرب المتآمر.
الغرب وإسرائيل ودول إقليمية في المنطقة كلها تتآمر وفق العقل العربي الذي تمت برمجته على أساس تصديق قصص المؤامرات الخبيثة والتأكد في ذات الوقت بأن قياداته تسعى جهدها للقضاء على المؤامرة وتوفير الحياة الكريمة للمواطن، لكن إسرائيل بالمرصاد لعمل السياسيين، فهي التي تدفع بملك إلى دفع ألف مليار دولار ليد رئيس دولة أخرى وإسرائيل هي التي دفعت برئيس دولة عربية أخرى إلى قتل مليون مواطن من شعبه وتهجير 12 مليون وتدمير الاقتصاد والبنية التحتية وإعادة البلاد إلى حافة القرن الماضي، وإسرائيل هي التي تعتقل المواطنين العرب لأنهم عبروا لا عن رأيهم وإنما عن مشاعرهم فقط؟
الغرب يتآمر والشرق كذلك وإسرائيل أيضا تتآمر ولكن كيف؟؟
يجب أن نصدق وأن نؤمن بأن كل الحكومات العربية ما هي إلا أدوات تنفيذ لكل أنواع المؤامرات بيد الدول التي تتآمر، جميعهم دون استثناء فملوك النفط هم حراس عليه عيّنتهم الشركات العالمية لحراسة آبار النفط وجني الأرباح وإرسالها إلى خزائن أوروبا والولايات المتحدة، أما الدول غير النفطية، فتنحصر مهمتها في تدمير الاقتصاد المحلي وتحويل الدولة إلى سوق كبيرة وتحويل المواطن إلى مستهلك، وكذلك تحويل الأموال التي يجنيها الحكام من فسادهم ونهبهم إلى بنوك أوروبا.
حكوماتنا هي التي تتآمر علينا والمؤامرات لا تأتي إلا من الداخل وهذا الإعلام المخصي وطنيا والمخصي فكريا يريد للمواطن العربي أن يستسلم لقصص التآمر على الأوطان، تلك الأوطان التي يستبيحها عسكر الحكام ومؤسساته الأمنية، تلك الأوطان التي تنهبها عصابات الحكام وصبيانهم، تلك الأوطان التي تغرق بالجهل والتخلف على كافة الصعد بسبب زعماء صغار لعصابات موغلة بالضعة والانحطاط، ولكن في النهاية الموضوع مؤامرة ...نعم مؤامرة على الوطن، وعليك أن تنسى كل شيء على أن تبقى فكرة المؤامرة مضيئة في ذهنك على حساب التعتيم على كل الأسباب الأخرى.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية