أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

خبث إيران وغباء بوتين.. عبد السلام حاج بكري*

أرشيف

من قال، أو يقول، إن إيران قد خسرت، أو قد تخسر في سوريا؟ 

في ظاهره، يبدو التساؤل عاديا، وربما منطقيا، لا سيما أن ما يعرضه المشهد يوحي بذلك، فقواتها ممثلة بعشرات الميليشيات الطائفية تعرضت للقصف عدة مرات من قبل إسرائيل، وربما يتكرر ذلك، إضافة إلى خضوعها للرغبة الإسرائيلية بالابتعاد عن حدودها، هذا عدا عن مئات أو آلاف القتلى الذين سقطوا لها منذ تدخلها في سورية.

تزداد منطقية التساؤل مع مسايرة الروس للرغبة الإسرائيلية بتحجيم الوجود الإيراني وعملهم ميدانيا على ذلك من خلال عقد الهدن والمصالحات دون الأخذ برأيها، وإرغامها "أي إيران" على تجميع قواتها في معسكرات أعطت روسيا إحداثياتها لإسرائيل لتكون هدفا عند الحاجة، وإحلال الشرطة العسكرية الروسية مكانها في عشرات المواقع، زد على ذلك الرفض الروسي العنيد لتوطين عائلات مقاتلين إيرانيين في داريا وبعض المنازل التي أخلاها مقاتلو المعارضة السورية في الغوطة الشرقية.

لم تستسلم إيران لهذه الهزيمة الظاهرية، وحصّنت وجودها في سوريا بعقد اتفاقات مع بشار الأسد وكبار قادته العسكريين دون العودة إلى روسيا، مُنح بموجبها آلاف المقاتلين الإيرانيين الجنسية السورية، وبذلك ضمنت تواجد عناصرها في كل بقعة يتواجد فيها جيش الأسد ومنها الحدود مع إسرائيل، إضافة لعقود اقتصادية طويلة الأجل، ورهنت اقتصاد سوريا لسنوات طويلة بالديون الكبيرة بشروط سياسية بالدرجة الأولى.

إيران لم تقبل بمرور ضغط روسيا عليها دون خرمشة تقترب من العقاب من خلال تخفيض تبادلها التجاري معها لمصلحة تركيا، إضافة لشغب عسكري ميداني يتمثل، حسب مصادر متقاطعة، بدورها في توجيه الطائرات المسيّرة لقصف القاعدة الروسية في حميميم، والتي غالبا ما تنطلق من مناطق قريبة لها تعود لعملاء اقتصاديين وعسكريين في نظام الأسد، وهذا الأمر تدركه روسيا جيدا، وهو ما دفعها لقصف مواقع إيرانية مرات عديدة "عن طريق الخطأ"، ولكنها فضّلت عدم إظهار الخلاف معها، واتهام فصائل المعارضة بتسيير "الدرونز".

في حقيقة الأمر، أرباح إيران في سورية تفوق كثيرا خسائرها، حيث تنتشر ميليشياتها على مساحات واسعة وتتمتع إلى حد بعيد بالسيطرة البرية وتتحكم بسير المعارك، كما أنها تقطع أشواطا كبيرة بتشييع السوريين بالترغيب والترهيب، عدا عن أن طريقها إلى دمشق والضاحية الجنوبية لا يزال مفتوحا بحماية أمريكية وداعشية ومن قوات النظام الذي من مكتسباتها الكبيرة أنها حافظت عليه ومنعته من السقوط.

وتمارس إيران ودون انتباه من أي طرف خبثا كبيرا في سورية يتجلى في نفض عقول الأجيال القادمة من السوريين عبر مناهج تربوية تؤسس للفكر الشيعي، وذلك من خلال هيمنتها منذ ما قبل الثورة "وتعزّزت خلالها" على وزارتي التربية والتعليم العالي في حكومات بشار الأسد المتعاقبة، إنها تهدف لتغيير هوية الانتماء المذهبي لغالبية السوريين بهدف الإبقاء على التبعية التي بدأت بشكل فعلي مع وصول الأسد الابن إلى السلطة، حيث سلّمها المقود والعربة.

ماذا تريد إيران أكثر من ذلك؟ لا شيء على الأغلب، وقد أثبتت أنها أكثر دهاء من كل اللاعبين على الساحة السورية ولعبت على المتناقضات الأمريكية والتركية والروسية ووظفتها لخدمة تمددها العسكري والطائفي، ولم تترك مجالا للهزيمة من خلال خطوط دفاعية إضافية أقامتها لحماية مكتسباتها في حال أُرغمت على الانسحاب "وهذا غير وارد" من خلال توظيفها لتنظيم داعش ودعمه، وتقوية نظام الأسد الذي لن يستطيع الخروج من عباءتها حتى لو ضغطت عليه روسيا.

كل تلك، تفاصيل ميدانية وُجدت لضرورة المشهد، لكن الجوهري في الحكاية أن إسرائيل لا تريد لإيران الخروج من سورية، فهي في حلف استراتيجي مصالحي معها مغلف بالعداء وخدعة المقاومة والممانعة، لأنها لو كانت تريد ذلك لما سمحت لها "أو أوعزت" بالتدخل أصلا، وبمقدورها إخراجها في كل ساعة، ويبدو بوتين أكثر الغافلين عن هذا لانسياقه وراء الإعلان الإسرائيلي عن معاداة إيران ووجوب إخراجها من سوريا، ولهاثه لإرضائها عبر الضغط على إيران بشتى السبل.

بوتين، وقع دون أن يشعر في المطب الذي ساقته إليه أمريكا وإسرائيل معا، يفعل ما تريدان دون مشاركتهما الفعالة، ولا تسمحان له بالاستفراد بالهيمنة على سوريا، من خلال الإبقاء على وجود قوى أخرى تجعله في حالة قلق دائم، وإذ لا يجب أن تعود روسيا إلى حالة القطبية مرة أخرى.

*من كتاب "زمان الوصل"
(109)    هل أعجبتك المقالة (121)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي