أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الصراع الخفي بين طهران وأنقرة.. فؤاد حميرة*

أرشيف

يحلو لجمهور المعارضة الحديث عن صراع روسي – إيراني في سوريا وينظّرون فيه كأنه منقذ للثورة والمعارضة من عثراتهما حتى بات البعض يراهن على أن الخلاص يكمن في نتائج هذا الصراع.

وبالرغم من أهمية ظهور بوادر تشقق في التنسيق بين موسكو وظهران فيما يخص الوضع السوري، إلا أن طريقة نظرتنا معه وتعاطينا مع تفاصيله يجعلنا نغفل عن صراعات أخرى لا تقل أهمية كالصراع الايراني – التركي والذي تصاعدت حدته في الآونة الأخيرة خاصة بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والتي قال فيها إن القومية الفارسية مسؤولة عن كثير من الصراعات في المنطقة، ناهيك عن تصريحات مشابهة لكبار المسؤولين في في إدارة الرئيس أردوغان.

جذور السباق التركي – الإيراني على كسب مزيد من النفوذ في منطقة الشرق الأوسط قديمة جدا، وهي سابقة على الأحداث في سوريا بل إنها أقدم حتى من الغزو الأميركي للعراق، ولكن ما يهمنا في هذا المجال هو احتدام هذا الصراع الذي يحرص كلا الطرفين على تغطيته بسبب المصالح الاقتصادية المشتركة وبسبب وجود خصوم سياسيين واضحين لكليهم في المنطقة وعلى رأس أولئك الخصوم تأتي المملكة العربية السعودية التي لن تكتفي طبعا بدور المتفرج على مبارزة الشطرنج بين البلدين وستعمل بكل السبل لاستغلال هذه المباراة ونتائجها لصالح سياسات الرياض.

أسهمت أحداث المنطقة وخاصة الفوضى في العراق وأيضا الفلتان الأمني في كل من سوريا واليمن وليبيا والتوتر في لبنان والأوضاع الأمنية في كل من باكستان وافغانستان أسهمت الأحداث في تلك الدول في تمهيد الطريق أمام أردوغان ليتمدد خارج حدود تركيا والتي كانت قبل فترات حكمه مكتفية بأدوار صغيرة وقليلة وضعيفة التأثير في أحداث المنطقة، فأرردوغان يريد لتركيا أن تكون ماردا سياسيا اقتصادا وثقافيا في منطقة الشرق الأوسط مستفيدا من كل فرصة سانحة لتحقيق خطوة جديدة على هذا الصعيد، ولم يكن آخرها التدخل السعودي في أحداث اليمن والذي أرهق كاهل الاقتصاد السعودي وأتعب جيشها فانصب اهتمام القادة السعوديين على الخروج بشكل مشرف من معارك اليمن.

في المقابل يبدو النفوذ الإيراني أقوى تأثيرا وأكثر فاعلية في كل من العراق وسوريا ولبنان أما في اليمن، فلا يمكن مقارنة النفوذ الإيراني الواسع والفاعل عبر جماعة الحوثي بأي تأثير تركي يذكر في الأحداث هناك، وهذا النفوذ لا يبدو مريحا بالنسبة للأتراك فأنقرة تدرك مخططات طهران في خلق حزام أمني حولها يشمل العراق وسوريا ولبنان في محاولة لفرض سياسة جديدة في شرق أوسط جديد ولذلك لم يفوت أردوغان فرصة خروج واشنطن من الاتفاق النووي واستفاد كذلك من تهديدات ترامب لإيران ليعلن أن إيران هي المسؤول عن مشكلات رئيسية في الشرق الأوسط وكذلك أعلن وزير خارجيته أن طهران تمول الحروب الطائفية في المنطقة، وكان الرد الإيراني باهتا لم يرق إلى مستوى الحدث، إذ اكتفت القيادة الإيرانية باستدعاء سفير تركيا في طهران وتحميه رسالة شديدة اللهجة إلى القيادة التركية بسبب تصريحاتها تلك. 

تدخلت تركيا بقواتها العسكرية في شمال سوريا بحجة مكافحة الإرهاب المتمثل ببعض الفصائل الكردية اليسارية، على حد تعبيرها، وكذلك لمحاربة داعش، فنجحت في دخول منطقة عفرين بمساعدة من حلفائها في المعارضة السورية ما تسبب في توتر إيراني خفي تجلت ملامحه في مسارعة ظهران لعقد هدنة مع أحد أجنحة حزب العمال الكردستاني العاملة في الأراضي الإيرانية، وهذا الإجراء جاء ردا على التدخل التركي العسكري المباشر في شمال سوريا والاتفاق مع الفصيل الكردي يسمح للأكراد الاستفادة من الهدنة وتقديم الدعم لفاقهم على الجبهة السورية – التركية كما دعمت طهران التنظيمات العسكرية الكردية أو على الأقل وقفت موقف الحياد حيال سيطرة تلك التنظيمات على الشمال السوري (ما عدا عفرين) المحاذي للحدود التركية، ما أثار هواجس أنقرة الأمنية ومخاوفها من استمرار هذا الدعم وسعت للخصول على حياد إيراني على أقل تقدير في الوقت الحالي.

إن تفوق النفوذ الإيراني في المنطقة على النفوذ التركي من شأنه أن يصعد حدة الصراع، وقد يصل به حد الانفجار في أي لحظة، ويبدو أن موسكو تلعب أدوار هامة في الخفاء لتغطية هذا الصراع ينجح الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في جمع الحليفين اللدودين على طاولة مفاوضات تحت شعار اجتماعات أستانة والتي يصر الروس على خروجها بنتائج ترضي الطرفين، إضافة إلى رضى دمشق.

إن ما يجري في الخفاء هو ما يثير القلق وهو ما يجب دراسته بتمعن فما تصمت عنه الأخبار أخطر بكثير مما تعلنه.

*من كتاب "زمان الوصل"
(168)    هل أعجبتك المقالة (176)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي