أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

التغيير القادم إلى حلب وإدلب وريف اللاذقية*

من ريف إدلب - الأناضول

تعيش مدينة حلب ومحافظة إدلب ومعهما ريف اللاذقية وريف حماة الشمالي حالة مزرية رغم اختلاف المتحكمين بها، حيث يمارس النظام والميليشيات الطائفية تشبيحا غير مسبوق في مدينة حلب وكأنه ينتقم من سكانها، ولا سيما أولئك الذين شقوا عصا الطاعة عليه، وليس الحال بأفضل في إدلب وريفي اللاذقية وحماة رغم اختلاف الجهة المسيطرة، إذ تلعب جبهة النصرة دورا سيئا يتمثل في ترهيب وترويع الآمنين من أجل دفعهم للقبول بالنظام القادم "ربما"، كما لم تقصر الفصائل التي تتحكم ببعض المناطق بالإساءة للمدنيين بالإتاوات وفرض والهيمنة التي تقترب من شريعة الغاب.

المناطق المذكورة قد تشهد اختلافا جذريا في الجهة المسيطرة، ولكنها لن تشهد انفراجا في الحالة المدنية نظرا لاقتصار التغيير على الطرابيش، وهذا ما حملت إشاراته التصريحات الصادرة عن قاعدة حميميم الروسية بضرورة إبعاد "الإرهابيين" عن الجبال المحيطة باللاذقية والساحل إلى ما بعد جسر الشغور، وكذلك حديث الأسد لوسائل إعلام روسية عن نيّة جيشه التوجه إلى إدلب.

يتزامن ذلك عن تسريبات تشير إلى أن مفاوضات تركية روسية تجري منذ ما يزيد عن شهر، تتركز على الترتيبات الجديدة لكل مناطق الشمال الغربي من سورية، وأشارت معلومات إلى أن الاتفاق بات شبه جاهز على تبادل مواقع السيطرة الجغرافية، حيث ينسحب النظام والميليشيات الإيرانية من مدينة حلب وريفها الشرقي، على أن توعز تركيا لصبيانها في ريف اللاذقية وريف إدلب الغربي بالانسحاب إلى شرقي مدينة جسر الشغور.

الرؤية العامة للمشهد ربما تبلورت بهذا الشكل، لكن كثيرا من الخلافات بين الطرفين التركي والروسي حول التفاصيل، ففي حين ترى روسيا أن على تركيا أن تقدم المزيد مقابل حلب، تصرّ تركيا على ما هو أقل من ذلك، حيث تطالب بعدم اقتراب جيش النظام من الحدود التركية ونشر قوات تركية "فقط" على الطرف السوري من الحدود لعمق خمسة كيلو مترات، وتتوسع لتشمل جبل التركمان بريف اللاذقية أو تنتشر فيه قوات روسية حصرا.

وتتشدد تركيا بموقفها هذا استنادا لمعرفتها بمدى أهمية جبال ريف اللاذقية وريف إدلب الغربي للنظام وروسيا، حيث إن مواقعهما العسكرية في الساحل وحميميم لن تكون بأمان من وجهة نظرهما مادامت فصائل المعارضة التي تمتلك صواريخ "غراد" موجودة في هذه الجبال.

ملامح موافقة روسية على الطرح التركي تلوح في الأفق مشروطة باشتراك روسيا مع تركية في السيطرة على المناطق التي يخليها النظام في حلب، وتبدو تركيا غير بعيدة عن قبول هذا الطرح، لا سيما أنها تسعى بشكل حثيث لتشغيل الطريق الدولي الذي يصلها بالأردن والخليج، ولكن إعادة تشغيل هذا الطريق تعوقه أيضا بعض المشاكل مثل مطالبة النظام بعائداته الجمركية في حين تريد تركيا تسليمها للإدارة المدنية المزمع تشكيلها لإدارة مناطق الشمال أو للحكومة المؤقتة "تركية الهوى".

تفاصيل أخرى تعيق إظهار الاتفاق وتنفيذه تتعلق بإدارة محافظة إدلب وريف حماة الشمالي، وسعي النظام للقيام بالدور الخدمي على الأقل ورفع علمه على المؤسسات فيها، لكن أكثر ما يؤخر تطبيق الاتفاق هو الرفض الإيراني له لأنه ينزع سلطتها نهائيا من شمال وغرب سوريا، وتحاول روسيا أن تقنعها بضرورة القبول نظرا للمتغيرات الدولية التي تسير باتجاه إلغاء الدور الإيراني في سورية، وقدمت لها ضمانات بشأن منطقتي نبل والزهراء تتمثل بقيام قوات روسية بحماية سكانها، كما حملت لها خيارا آخر بنقلهم إلى ريف دمشق حيث أخلت المعارضة مناطقها.

يبدو أن كل العوائق لن تقف في وجه إعلان الاتفاق أو تنفيذه دون إعلان كما جرت العادة، إذ تحتاج تركيا لإظهار قوة إضافية في وجه الضغط الأمريكي عليها وتهديدها بفرض عقوبات لإطلاق سراح القس الأمريكي المعتقل لديها بتهمة التجسس، واتفاقها هذا مع روسيا قد يكون مناسبا لذلك.

واضح تماما غياب الدور السوري بشقّي النظام والمعارضة عن ترتيبات الوضع في هذه المنطقة، رغم محاولة النظام المنتشي "بانتصاراته" في الجنوب "الخرمشة" لتحقيق كسب إضافي لم يكن بحسبانه، وجل الدور السوري تمثل بوعد تركي لأحد قادة فصائل المعارضة بإطلاع الفصائل على الاتفاق قبل الشروع بتنفيذه، وهذا ما يجعلها أمام مسؤولية كبيرة تجاه المدنيين، إذ يتوجب عليها إيجاد حل مناسب يمنع تجديد التهجير ووضعهم بصورة المخطط علّهم ينالون فرصة اختيار أقل السييّئات.

*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
(134)    هل أعجبتك المقالة (139)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي