كان يجب أخذ تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول وجوب بقاء القوات الإيرانية في سوريا لمنع عودة الإرهاب بعين الاعتبار، وعدم الاكتفاء بمجرد التنديد والتحليل كان يجب الحذر مما قد تقدم عليه إيران بالتعاون مع النظام لتبرير بقاء القوات الإيرانية في سوريا إلى أطول فترة زمنية ممكنة.
أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني قال إن الوجود الإيراني في سوريا مستمر حتى (إبادة كل المجموعات الإرهابية) وأضاف شمخاني في تصريحات لوكالة (تسنيم) الإيرانية للأنباء إن إيران دفعت أثمانا غالية في سوريا ولن تغادر قبل القضاء على (الخطر الإرهابي).
ورغم تأكيد قياديين إيرانيين وفي النظام أن الوجود العسكري الإيراني يقتصر على المستشارين والفنيين، إلا أن أعداد القتلى من الجيش الإيراني في سوريا تؤكد أن التواجد العسكري الإيراني يتعدى موضوع الخبراء فالإحصائيات الرسمية تؤكد أن أعداد القتلى من الجيش الإيراني وحده (دون الميليشيات) وصل إلى 2000 قتيل من جنود وضباط وصف ضباط ناهيك عن الخسائر المادية التي بلغت وفقا لبعض التقديرات الدولية إلى 30 مليار دولار فيما تقول مراكز أبحاث أخرى أن المبلغ قد يصل إلى أكثر من 100 مليار دولار.
في مقابل الخسائر الإيرانية في الأرواح والمال هناك الضغط الإسرائيلي الأميركي لخروج القوات الإيرانية من سوريا وإغلاق قواعدها العسكرية إلى 11 قاعدة منتشرة في مختلف الأراضي السورية.
ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وضع مسألة الخروج الإيراني من سوريا ضمن 12 شرطا لرفع العقوبات الاميركية بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني . كما تضغط إسرائيل من جانبها على الجانب الروسي لضمان خروج إيران كليا ليس فقط من حدودها وإنما من كل الأراضي السورية، وإلا فإن هجماتها على القواعد الإيرانية لن تتوقف.
هذه الضغوط يواجهها المسؤولون الإيرانيون بالتأكيد على الأثمان الباهظة التي دفعتها إيران في حربها المزعومة على الإرهاب، لكن لا إسرائيل ولا والولايات المتحدة تملك الرغبة في الإصغاء إلى هذه التبريرات وذلك بالرغم من تصريحات طهران بأن الإرهاب سيعود إلى سوريا لو خرجت قواتها.
هنا كان لا بد لطهران من التأكيد للعالم على أن مخاوفها بشأن الإرهاب حقيقية وليست مجرد حجج للبقاء، فكان الحل في فتح الطريق أمام داعش للدخول إلى قرى وريف السويداء وارتكاب مجزرة مدوية يتردد صداها في كل أنحاء العالم.
مجزرة السويداء إيرانية التخطيط والتنفيذ باتفاق ضمني مع النظام بهدف إثارة مخاوف تل ابيب وواشنطن وغيرهما من العواصم العالمية بأن بقاء العسكر الإيراني ضرورة ملحة للقضاء على الإرهاب ومن هنا تصر إيران على مقولة إن وجودها في سوريا كان بناء على طلب من الحكومة الشرعية، وبالتالي فإن مغادرتها لن يكون إلا بطلب من الحكومة ذاتها. هنا أيضا كان على النظام الهروب من الضغوط الروسية وحتى الأميركية والغربية التي تريد خروج القوات الإيرانية فكان الاتفاق بين حكم الملالي وحكم الأسد للبحث عن مبررات –وإن كانت– بل ومن الضروري أن تكون دموية بشكل صادم يقنع المجتمع الدولي بضرورة بقاء القواعد الإيرانية في البلاد.
النظام يحتاج الوجود الإيراني لاستمرار سياسته في اللعب على استغلال كافة الأطراف، فالنظام يريد بقاء إيران ورقة يقايض عليها مع دول الخليج وخاصة مع السعودية العدو اللدود لإيران والراغبة ربما أكثر من غيرها في خروج مذل وخاسر لقواتها من سوريا.
تتلاقى مصالح إيران مع مصالح النظام في ارتكاب مجزرة السويداء وتسهيل حدوثها باستخدام أداة متطرفة اسمها داعش وليس الهدف إركاع السويداء أو تجنيد 53 ألف شاب من أبناء المدينة في الجيش، فهذان الهدفان على أهميتهما ليسا الهدف الأساس في كل ما حدث وإنما الهدف الأول والمحوري هو إعطاء التبرير اللازم لبقاء القوات الإيرانية في سوريا وإقناع العالم بوجوب وضرورة ديمومة هذا البقاء إلى أمد غير منظور.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية