أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بالتفاصيل... النظام يكسر جرة محاربة الفساد برأس الرجل الثاني في وزارة داخليته

تيناوي باجتماع مع بشار الأسد - ارشيف

ليس من مهمة هذا التقرير الدفاع عن "هشام تيناوي" أو قضايا الفساد المتهم بها، لا تبرئته ولا إدانته، فهو في النهاية ضابط فضّل خدمة النظام و"التضحية" لأجله، حتى ضحى به النظام.

• أمر إداري وخطاب تعنيفي يثيران التكهن بسقوط الرجل في صراع "الشعارين"؟
• سوق "تيناوي" من قبل الأمن السياسي، يمثل استثناء في سيرة هذا الجهاز الذي أسس لمراقبة الشرطة أساسا، فحوله الأسد لمراقبة البسطاء وقمعهم.

بعد "بكر بكر" مدير شركة الاتصالات، المتهم مع عدة مدراء بقضية فساد تقدر بالمليارات (أوصلها البعض إلى 100 مليار ليرة).. بعد "بكر" هذا، حان موعد النظام للإعلان عن كسر جرة محاربة الفساد برأس شخصية كبيرة جدا، تمثل الرجل الثاني في وزارة الداخلية، ونعني به "اللواء هشام أحمد تيناوي" مدير إدارة التنظيم والإدارة، والمدير السابق لمكتب وزير الداخلية، أي الذراع اليمنى للوزير "محمد إبراهيم الشعار".

بدأت قصة "تيناوي" بالظهور إلى السطح، عندما سرب موالون أخبارا عن تورطه بقضية فساد تقدر أيضا بالمليارات، ربما لأن قيمة الليرة تهاوت في عهد بشار، وربما لأن الفساد بالملايين صار من اختصاص الصغار في حقبة "الإصلاح والتطوير"، وربما للسببين معا.

وأياً تكن أسباب "تيناوي" أو غيره، من المشتبهين بالفساد، وأيا تكن التهم الموجهة إليه والتي سنعرضها في إطار تقريرنا، وأياً تكن مصداقية هذه التهم و"مصداقية" نظام مؤسس على الفساد، وعلى الكذب في محاربة الفساد!.. أياً يكن هذه وتلك، فإن الثابت أن إخراج قضية "تيناوي" إلى العلن، بل وتسريب جزء من محضر التحقيق معه، إنما تم بإيعاز رأس كبيرة جدا، لا يمكن بحال من الأحوال أن تقل عن بشار أو ماهر الأسد، هذا فضلا عن أن استدعاء ضابط بهذا الحجم والنفوذ للتحقيق، وهو في النهاية "زلمة الوزير الشعار"، لا يمكن أن يحصل دون أوامر مباشرة وصريحة من رأس الهرم.

*معيبة على الوجهين
فقد صار في حكم المؤكد أن "تيناوي" اليوم حبيس القفص "العدلي"، بعد سوقه من قبل فرع الأمن السياسي ليمثل أمام قاضي التحقيق الأول في دمشق، بتاريخ 21 حزيران/ يونيو 2018، حيث قرر القاضي توقيف "تيناوي" بعد اتهامه بجرائم "الرشوة الجنائية والاقتصادية واختلاس المال العام والتعامل بغير الليرة السورية وصرف نفوذ وتستر على جرائم مرتكبة من قبل موظفين خاضعين لسلطته والتدخل بمزاولة أعمال الصرافة، ومن هنا تم "سوقه إلى فرع سجن دمشق المركزي أصولا".

ولنقف قليلا عند التهم الموجهة إلى "تنياوي" وطريقة اعتقاله و"سوقه" إلى سجن دمشق (عدرا)، لأن هذه التهم وطريقة التحقيق تفصح عن أشياء لا يمكن تجاوزها، فالتهم 7 بالعدد، ولكنها في الحجم يمكن أن تكون 700 أو حتى 7 آلاف، ما يسوغ أن نسميها "السبع الموبقات" في عرف الاتهام القضائي.

فتحت بند "الرشوة الجنائية والاقتصادية" وحده يمكن أن تكون هناك عشرات القضايا، ومثلها يمكن أن يندرج تحت بند "اختلاس المال العام"، ومثلهما بقية التهم، باستثناء تهمة "مزاولة أعمال الصرافة" التي تعد تهمة محددة للغاية، بل و"معيبة" بحق لواء كبير في الداخلية، "معيبة" بالمعنيين اللذين يقصدهما محاربو الفساد الحقيقيون ومحاربوه الوهميون، فعند المحاربين الحقيقيين، يعني تورط لواء شرطة بصرف العملة حرفيا أن "حاميها حراميها"، أما عند المحاربين الوهميين، الذي يلعنون الفساد علنا، ويمارسونا سرا وعلنا!، فيكمن "العيب" بأن لواء بمهام ونفوذ "تيناوي" لا يجوز أن "يدني" نفسه لمزاولة الصرافة، بل عليه أن يترك هذه "اللقمة التافهة" لمن هم أصغر منه، ويهتم بأمر "الهبرات" الكبيرة.

هذا من حيث شكل التهم ومضمونها، أما طريقة سوق "تيناوي" فتؤكد أن القضية كلها تمت بتوجيهات من رأس الهرم في النظام، لأن جهاز الأمن السياسي مهما علا شأن من يستلمه، لا ولم يكن ليجرؤ على الاقتراب من رتبة عالية في الداخلية من تلقاء نفسه ودون غطاء من القصر، فضلا عن أن يجرها ليحقق معها، رغم أن "الأمن السياسي" وللمفارقة هو جهاز مؤسس فعلا ليكون عين "الدولة" على "قوى الأمن الداخلي" ويلاحق قضايا الفساد والاختراق وغيرها داخل هذا السلك، ولكنه أصبح في عهد حافظ وبشار وبفضلهما، جهازا من أجهزة قمع الناس وملاحقة الناس البسطاء، ونسي أو شطب مهمته الأساسية، لدرجة أن تعامل "الأمن السياسي" مع قضية "تيناوي" يكاد يكون استثناء في عهد الأسدين، فيما يخص هذا الجهاز تحديدا.

ومما يعطي لقضية "تيناوي" حجما ضخما وأبعادا متشعبة، أن الرجل –وحسب التصنيف الطائفي الذي يعرفه النظام ويعمل به جليا في مبدأ الثواب والعقاب-، هو ثاني شخصية "سنية" يتم الإعلان عن تورطها بقضايا فساد مليارية، خلال أيام قليلة، وكأن في ذلك إعادة لـ"فيلم قديم" سبق أن شاهده السوريون مرارا، عقب انجلاء كل هزة أو أزمة كان يمر بها النظام، حيث يتم تسليط "البرجكتور" على شخصيات محددة الانتماء الطائفي، وتحميلها وزر كل السقطات والخيانات والفساد الذي حدث خلال تلك الأزمة أو الهزة.

وهنا وقبل أن نتابع حديثنا، نفتح قوسين كبيرين جدا، حتى لا يساء فهم الفقرة الأخيرة، لنقول إن الانغماس في الفساد لم يكن يوما متعلقا بانتماء مسؤول في النظام، كبر أو صغر، فهناك فاسدون من كل الطوائف والأطياف (ربما يكون السنة أكثرهم لأنهم الأكثر عددا ببساطة)، تنفيذا لسياسة النظام القاضية بأن يدور كأس الفساد على كل الناس.. أما الحساب على هذا الفساد، والتشهير بهذا الحساب، فإنه وكما يعرف السوريون، فإنه لايروق للنظام أن يطبقة سوى على "ناس" دون "ناس".

*من فم أبناء السلك
وبالعودة إلى لبّ قضية "تيناوي"، فإن القراءة بين سطور الاتهامات الموجهة له، وطريقة ربطها وحياكتها من قبل من سربوا الخبر، تكشف معنى "ناس" و"ناس"، وتكشف أكثر ملامح صراع علوي-سني، ما زال النظام ومنذ اغتصابه السلطة واحتكاره الطائفة قبل 50 عاما يواصل صب الزيت على ناره، وإلا فما مغزى ربط قضية "تيناوي" بوزارة الدفاع، التي يرأسها شخص معروف الطائفة والتوجه، وما مغزى إظهار هذا الوزير ووزارته بصورة النزيه والملتزم بالقانون، في مقابل إظهار "تيناوي" ووزارته بصورة الفاسد والمتعدي على القانون، علما أن هذه وزارة الدفاع نفسها كانت هدفا لسهام الموالين عندما كان وزيرها "سنيا" (فهد الفريج)، رغم كل الجرائم التي ارتكبها هذا الوزير "السني" بحق "السنة" في سوريا، في سبيل أن يكسب ود النظام وحصانته.



ومرة أخرى لسنا في حاجة للقول إننا لانتعاطى بالتصنيفات الطائفية ولانقيم لها وزنا، بل نلجأ لذكرها توضيحا لما يدور في عقل النظام وما يحكم تصرفاته، كما إن من البديهي أننا لا ندافع عن مجرم مثل "الفريج"، وقد كانت زمان الوصل أول من كشف فساده وإجرامه في تقارير سابقة مثلا: 

ففي شروحات الصفحات المخابراتية لخبر القبض على "تيناوي" نجد ما فحواه أن هذا اللواء متهم باختلاس يناهز 2 مليار ليرة مخصصة لزيادة بدل الإطعام (الجعالة) لمنسوبي "قوى الأمن الداخلي"، وهذا الاختلاس ناجم عن تأخير صرف هذه التعويضات لمدة شهر بعد صدور قرار زيادة "الجعالة" من قبل بشار، وبواقع 100%.

وحسب منطوق الصفحات المخابراتية، فإن وزارة الدفاع سارعت مباشرة للالتزام بقرار زيادة "الجعالة" وصرفته، فيما أخرت "الداخلية" هذا الصرف، متذرعة بأن قرار بشار لا يشمل منسوبي "قوى الأمن الداخلي"، وهذا التأخير تكفل بتوفير ملياري ليرة، وضعها "تيناوي" في جيبه، بدل أن يضعها في فم "أبناء السلك" بصورة إعانات إطعام.

لا بل إن تلك الصفحات تذهب إلى ما هو أبعد، حيث تكشف أن "تيناوي" كان "ينوي" تنفيذ خطته مرة ثانية، وهو الأمر الذي كان سيضمن له اختلاس 6 مليارات إضافية، لولا يقظة الجهات المختصة وتوجيهات "السيد الرئيس" وحزمه... "الي الله يعينه على هيك مسؤولين"، حسب الجملة المأثورة التي يختم بها محاربو الفساد الوهميون مداخلاتهم، كلما برزت قضية فساد برأسها، وما أكثر ما يبرز هذا الرأس في "سوريا الأسد".

اللافت أن "إخراج" قصة "تيناوي" يشابه إخراج نفس قصص سابقة إن لم يكن يطابقها، حيث تم اكتشاف فساد مسؤولين فجأة بعد عقود طويلة من الخدمة في بلاط الأسد، فـبعد 31 عاما من الخدمة، بدأها للمفارقة ضابطا في شعبة الأمن السياسي، وأنهاها مديرا لإدارة التنظيم في وزارة الداخلية، مرورا بتوليه إدارة مكتب وزير الداخلية، وتسلمه قبل ذلك الهجرة والجوازات في مطار دمشق لمدة 10 سنوات، وشغله إدارة مكتب "إنتربول" في دمشق، وإيفاده ليمثل البلد في كثير من المؤتمرات بالخارج، وترفيعه بداية العام الماضي إلى رتبة لواء... بعد كل هذا "اكتشف" النظام أن "تيناوي" فاسد، بل وغارق في الفساد الملياري، وأنه حان تقديمه إلى مقصلة المحاسبة المتزامن بالتشهير به، رغم أن "سوريا الأسد" ترزح اليوم تحت وطأة قانون خاص بـ"جرائم المعلوماتية"، يتوعد من ينبس بكلمة عن أي "مسؤول" -ولو تلميحا- بعقوبات شديدة، يبدو أنها –أي هذه العقوبات- تطبق على "ناس" دون "ناس"، وحسب الطلب.

*بتوقيت "جينيس"
كل ما ورد سابقا، ليس كل ما أمام "الأكمة" وما خلفها في قصة "تنياوي"، فهناك أقاويل يرددها المدافعون عنه وعن "وطنيته" و"تضحيته في سبيل الوطن وقائده"، إلى درجة إصابته في التفجير الذي أصاب وزارة الداخلية بتاريخ 12-12-2012 (توقيت من مقاس موسوعة جينيس!)، وخضوعه لنحو 20 عملية حتى تعافى من إصابته.

هذه الأقاويل المدافعة عن "تيناوي" مفادها أن اعتقاله جاء بعد فتح ملف قديم سبق للنظام أن طواه، ويتعلق بملف "مكافحة تجارة الدولار" وارتباطه بضابط برتبة رائد يدعى "مدين".

وبغض النظر عن صحة هذا الدفاع ووجاهته، فإنه يعيد للأذهان الطريقة المعهودة للنظام في فتح الدفاتر القديمة وإحياء القضايا المطوية، عندما يريد تصفية حسابه مع شخص ما، والأمثلة في هذا الباب كثيرة للغاية، ولا داعي لتكرار سردها.
وهناك إلى جانب كل ما ذكرناه سالفا، قضية حساسة لا بد من أخذها بالحسبان، ربما يكون ملخصها أن الرجل "راح فرق عملة" في عملية مناطحة وتصفية حسابات بين مراكز القوى والنفوذ، وهو ما يعيدنا –للمفارقة الصاعقة- شهرا واحدا فقط بالتمام والكمال، إلى ما قبل عرض "تيناوي" على قاضي التحقيق!

ففي 21 حزيران/ يونيو 2018، تم عرض "تيناوي" على القاضي ومواجتهه بالتهم السبع الكبرى، التي أفضت إلى حبسه في سجن "عدرا"، وقبل بذلك بشهر تام، وتحديدا في 21 أيار/مايو، كان "تيناوي" محور "أمر إداري" أصدره وزير داخلية النظام، وقضى فيه بتشكيل لجنة لدراسة القضايا "ذات الاهتمام المشترك" بين وزارته ووزارة العدل، وأسند رئاسة هذه اللجنة لـ"تيناوي".

وقد تسبب هذا "الأمر" حينها في نشوب صراع قوي ومباشر بين وزيري الداخلية والعدل، واستدعى من الأخير أن يوجه لوزير الداخلية "الشعار" خطابا من 3 صفحات، ينتقد فيه "الأمر" وما تلبس به من "خلل وزلل"، وتم تسريب هذا الخطاب ليفعل فعله في صراع وزير "عتيق" ثبت مركزه بـ"براغي" الولاء والمصالح والارتباطات العائلية (الشعار)، وآخر "حديث"، تم تعيينه قبل نحو عام، يسعى لإثبات وتثبت نفسه، ونعني به وزير العدل، وهو للمفارقة أيضا من كنية الشعار -اسمه الأول هشام-، لكنه لايمت بقرابة لوزير الداخلية فكلاهما من منطقة مختلفة.

وقد كانت رسالة وزير العدل "الشعار" لشريكه في الوزارة والكنية، بمثابة توبيخ شديد اللهجة، تمت صياغته بلغة احترافية وقانونية، وضعت الوزير العتيق والنافذ (وزير الداخلية) في موقف حرج، ومثلت إهانة لـ"كرامته" وحطاً من قدره وسلطاته، لابد أنه حاول مواجهتها خلف الكواليس بطريقته، ولابد أن هذه المحاولة استدعت "هجمة مرتدة" وربما هجمات، كان من نتائجها تسديد ضربة لخاصرة وزير الداخلية ورجله الأقرب "أبو فراس".. هشام تيناوي؛ ليسقط الرجل "ضحية" نظام ضحى من أجله طويلا، كما أُسقط من قبله كثيرون "خدموا" طويلا، بعد أوهمتهم ظنونهم أنهم بمأمن من غدر النظام لأنهم يعرفون حيله ويدركون ألاعيبه.

إيثار عبد الحق-زمان الوصل
(372)    هل أعجبتك المقالة (300)

حسبنا الله ونعم الوكيل

2020-11-23

حسبنا الله ونعم الوكيل.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي