الحركات الإسلامية هي قوى تغيير , هذا هو واقع برنامجها و مشروعها كما هي الصورة التي يحملها المجتمع و خاصة الشباب عنها..ليس فقط أن موقفها نقدي تجاه الواقع بل إنها تمتلك مشروعا تدريجيا أو مباشرا لإعادة بناء حالة مجتمعاتنا وفق رؤيتها للواقع..تتمحور رؤية هذه الحركات الإسلامية المعاصرة حول نقطة أساسية تشكلت تدريجيا خاصة بفعل الجدل ضد خصمين رئيسيين لكن متمايزين و هما خطاب المشروع الاستعماري الغربي و دعاة النهضة الحديثة..هذه الموضوعة المحورية هي ببساطة أن الإسلام كمنتج إلهي مقدس هو وحده مصدر الشرعية و مرجعية كل تفاصيل الحياة البشرية..هي تتكأ في ذلك على مراجع هامة معروفة من الفكر الإسلامي القروسطي لعل أهمها ابن حنبل و ابن تيمية أي تحديدا ذلك الجناح من المؤسسة الدينية الذي حارب دون أية هوادة كل ما رآه تهميشا و انتهاكا لسلطة النص المقدس المطلقة على عالم الإنسان مهما كانت محدودية هذا التقييد من معتزلة و فلاسفة و صوفية و قدرية و غيرهم..يدور الصراع هنا حول مركز هذا العالم : الإنسان أم الإله ؟..طبعا يمكن العودة هنا إلى الكثير من مفكري الأنوار ( و حتى مفكرين إسلاميين قروسطيين أيضا ) الذين ركزوا جهودهم على تفكيك هذه الرؤية الدينية و إعادة بنائها ليتقدم فيها الإنسان مقابل تراجع وضعية الإله و جرى إنجاز هذه المهمة التفكيكية أخيرا مع ماركس و فرويد و داروين و نيتشه..هذه الرؤية الدينية للعالم تعارض وجود الله الخير المطلق , الذي يمثل الحقيقة الفعلية لهذا العالم بالوجود الإنساني الآثم المزيف التابع الذي يتمحور مغزى وجوده حول إظهار أكبر قدر من الإجلال و التعظيم و التسليم و العبودية تجاه المطلق الإلهي..كان الله هو السيد و الإنسان هو العبد..كانت الخطابات المضادة تتجاوز مجرد نقد الخطاب الديني و وصمه بالزيف مثلا إلى بناء العالم وفق رؤية "إنسانية" عن إنسان حر جدير يشكل انعتاقه من القوى التي تضطهده المهمة الأساسية للمشروع البديل..طبعا هذه الخطابات التي عارضت الخطاب الديني معروفة و هذا ليس مجال استعراضها..بالعودة إلى الخطاب الإسلامي يجب أن نميز بين موقف السلف الذي قبل العمل تحت عباءة السلطة المطلقة و بين موقف الخلف أي الحركات الإسلامية المعاصرة التي تصر على تولي السلطة باسم المقدس..لتوصيف هذه المقاربة لعلاقة السلطة بالنص و بالمقدس نعلم أن الإله لن يحكم الأرض مباشرة إنه يحكمها من خلال اشتراطاته عبر النص المقدس الذي يعتبر أساس أوامره لبني الإنسان فالحديث عن حكم يستند إلى المطلق الإلهي يعني ببساطة ديكتاتورية الجهة القائمة بالنص التي تسهر على حراسة المقدس , أي أن هذا الخطاب يعني في الماضي في أيام ابن حنبل و ابن تيمية تشريع ديكتاتورية السلطة السياسية و اليوم هو يعني ديكتاتورية المؤسسة الدينية مباشرة..قد يعطي الاستعداد العالي للتضحية التي يبديها الكثيرون في سبيل المقدس اليوم انطباعا بأن الناس اليوم مستعدون للتسليم لحالة العبودية تجاه المقدس للتسليم بديكتاتورية المؤسسة الدينية لكن يجب أن نلاحظ هنا أن هذا يجري بعد أن وصل استهتار السلطة بالإنسان و استباحتها لأبسط حقوقه في مجتمعنا إلى حد غير مسبوق من الصفاقة و الامتهان..إنني أزعم أنه خلافا للاستنتاج الأول فإن ما يسمى بالصحوة الإسلامية تعبر عن لجوء الناس إلى المقدس كعزاء أولا و كمشروع لتكريس إنسانيتهم و ليس سحلها من جديد نهائيا لصالح ديكتاتورية أخرى , هذه هي بالضبط النقيصة القاتلة لخطاب و مشروع الحركات الإسلامية المعاصرة اليوم بالذات وسط كل هذا الاستلاب الذي وصل حتى درجة التدمير و الإلغاء الذي مارسته الأنظمة و أمريكا ضد الإنسان في منطقتنا , أنها هي الأخرى لا تملك أية رؤية لعالم يقوم على حرية الإنسان و أن مشروعها هو الآخر يكرس الإنسان في وضعية العبودية لقوى خارجة عنه و إن اختلفت المبررات و الأسماء..
مازن كم الماز
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية