يبدو أن الثقة بالنفس التي أبدتها إسرائيل على الصعيد القانوني، أثناء حربها الاخيرة على غزة تصدعت بعض الشيء فور توقف النار. وقد تجلى ذلك أولا وقبل كل شيء بتوقف الناطق بلسان الجيش عن توفير الصور اليومية للعمليات والنجاحات. وتلى ذلك فرض تعتيم على أسماء وصور الجنود والضباط ممن شاركوا في تلك الحرب. وانتهت المسألة باضطرار الحكومة لتأجيل سفر وزيرة الخارجية تسيبي ليفني إلى مؤتمر وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في بروكسل إلى اللحظة الأخيرة، خشية اعتقالها هناك. وها هي إسرائيل تستعد لمواجهة الدعاوى الدولية بارتكاب جرائم حرب، وتشكل لجنة وزارية خاصة بهذا الشأن.
فإسرائيل تشعر هذه المرة أكثر من أي حرب سابقة بأنها عرضة لاتهامها بارتكاب جرائم حرب، بل جرائم ضد الإنسانية.
وهذا ما يفسر الخطوات الأخيرة التي لجأت إليها، والتي تتعارض مع المنحى الأولي الذي تجلى في بداية الحرب سواء بالأفعال أو التصريحات. وفجأة أصبح الساسة وقادة الجيش الإسرائيلي يتحدثون عن ألمهم لآلام الفلسطينيين في غزة وأن ما فعلوه كان اضطرارا وبسبب »شدة نيران حماس«.
وقد تقدم وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بمشروع قرار لحكومته لتوفير الغطاء الأخلاقي والقانوني لضباط وجنود الجيش الذين شاركوا في حرب غزة، والذين قد يتعرضون للملاحقة القضائية بتهمة اقترافهم جرائم حرب. ومن المقرر أن تصادق الحكومة الإسرائيلية على مشروع القرار هذا غدا الأحد في جلستها الأسبوعية.
وجاء في مشروع القرار، الذي أعد بالتعاون بين الجيش ووزارتي الدفاع والعدل، أن الجيش الإسرائيلي »عمل وفق تعليمات الحكومة« للقضاء على الاعتداءات من جانب حماس والمنظمات الفلسطينية الأخرى. وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي »كجيش ليس هناك أشد أخلاقية منه، حرص على العمل وفق قواعد القانون الدولي وفعل كل ما في وسعه لتجنب المساس بالمدنيين غير الضالعين في القتال وأملاكهم، ولهذا الغرض وزع مناشير كثيرة واستخدم وسائل الاتصالات المحلية وشبكة الهاتف المحلية لتقديم تحذيرات عامة وخاصة للسكان المدنيين قبل وقوع القصف«.
وشدد باراك على »أنني لا أعرف جيشا يعمل بمعايير عالية كالتي يعمل وفقها الجيش الإسرائيلي. ولذلك لا مكان لجلد الذات، في أعقاب كل عملية«. وبحسب مشروع القرار فإن »الحكومة تعود وتؤكد التزامها بالوقوف إلى جانب جنود الجيش وقادته، وتوفير الدفاع لهم في الحلبة الدولية بشأن عملهم في إطار تأديتهم لواجبهم كجنود للدولة«.
كما أمر رئيس الحكومة إيهود أولمرت بتعيين وزير العدل دانييل فريدمان رئيسا للجنة وزارية تشكلت لمعالجة الدعاوى القضائية المتوقع تقديمها ضد إسرائيل على جرائم حرب تتهم بارتكابها في حرب غزة. وستستعين اللجنة، المقرر أن تبدأ أعمالها الأسبوع المقبل، بخبراء في القانون الدولي من داخل إسرائيل وخارجها.
ومن المقرر أن تعمل إسرائيل على صعيدين في كل ما يتعلق بالجانب القضائي من حرب غزة. الاستعداد من ناحية لمواجهة الدعاوى القضائية بشأن اقتراف جرائم حرب وتشجيع المستوطنين في غلاف غزة على رفع دعاوى ضد قادة حماس امام المحكمة الدولية في لاهاي.
وكان الوزير زئيف بويم أول من طالب سكان مستوطنات الجنوب برفع دعاوى ضد قادة حماس، ودعا إلى تأييد الدولة العبرية لهذه الدعاوى. وتتهم إسرائيل حماس بأنها استغلت المدنيين واستخدمتهم كدروع بشرية ما أوقع فيهم خسائر كبيرة.
وقد حاولت إسرائيل طوال الحرب الإيحاء بأن النيابة العسكرية تراقب وتشرف على كل الأفعال حتى لا تخرج عن نطاق القانون الدولي.
ومع ذلك فإن المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز طالب الجيش بالإسراع في التحقيق في أمر القذائف الفوسفورية التي أطلقت باتجاه مواقع مدنية فلسطينية وبينها مدرسة الفاخورة التابعة لوكالة غوث اللاجئين (الاونروا). ومن الجائز أن إسرائيل تحضر نفسها للادعاء بأنها حققت في أمر عدد من القضايا التي ينطبق عليها توصيف جرائم الحرب وأنها قدمت المعنيين للمحاكمة ما يلغي الحق الدولي في المقاضاة.
وأشار المحامي الإسرائيلي المعروف أفيغدور فيلدمان لـ»يديعوت احرونوت« إلى »أنني أستطيع أن أنصح ليفني بعدد من المحامين الجيدين في بلجيكا إذا أرادت... فالقتال في غزة يشبه جدا ما جرى في البوسنة، حيث قدم أشخاص للمحاكمة لإطلاقهم النار على المدنيين والصحافيين ومؤسسات الأمم المتحدة والمدارس. ولذلك فإن مخاوفها مبررة تماما«. وأوضح أن »كل جندي إسرائيلي شارك في العملية، من أصغر جندي حتى القيادة، عرضة لادعاءات في جميع أرجاء العالم.
إذ لا حصانة لأحد في جرائم الحرب، وأنا أعلم شخصيا بوجود جهات الآن في لندن تجمع كل مادة ممكنة حول القتال الحالي من أجل تقديم إسرائيليين للمحاكمة«.
وأوضح المحامي المتخصص في قوانين الحرب ميخائيل سفراد أن المحكمة الدولية لجرائم الحرب أنشئت إثر المحرقة النازية بطلب من اليهود. وأضاف أن »فكرة وجود جرائم يحظر اقترافها حتى في زمن الحرب وحظر توافر ملجأ يهرب إليه المجرمون هي فكرة لا مثيل لها في أهميتها. ومن الصائب استخدام هذه الآلية أيضا ضد دولة إسرائيل. وإذا كان (الرئيس الاميركي باراك) أوباما قد أمر بإغلاق سجن غوانتانامو وشرعت الولايات المتحدة في التعامل مع الفظائع التي اقترفتها، فإننا نحن أيضا نستطيع ذلك«.
وشدد سفراد على أنه أثناء الحرب في غزة انتهكت إسرائيل بشكل بالغ الخطورة القانون الدولي وهناك شبهات قوية بارتكابها جرائم حرب، و»الطموح هو أن نحقق نحن ونقدم المسؤولين للمحاكمة. وإذا لم يحدث ذلك، فمن الصواب أن تتوفر جهة دولية تحقق في الأمر، وإلا فإننا سنواصل اقتراف فظائع«.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية