أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

برواية رفيق الزنزانة.. كيف كافأ نظام الأسد "صائد كوهين" بالاعتقال؟!

الرائد محمد وداد بشير - أدناه كوهين

كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة صبيحة 18/1/1965، عندما اقتحم ضابط الإشارة السوري الرائد"محمد وداد بشير" مع عناصره شقة الجاسوس "إيلي كوهين" في "أبو رمانة" وسط دمشق ليلقي القبض عليه ويصادر معداته التي كان يستخدمها في مهمته التجسسية، ويضع حداً لأسطورة أشهر جاسوس في تاريخ الكيان الصهيوني، تمكّن على مدى بضع سنوات من تغلغله في أجهزة الدولة من نقل معلومات مهمة للغاية إلى إسرائيل عن قدرات الجيش السوري وعلاقاته مع التنظيمات الفلسطينية في فترة الستينيات من القرن الماضي، من خلال علاقاته الوثيقة التى نسجها مع عدد من كبار المسئولين السوريين بعد وصوله إلى دمشق قادماً من الأرجنتين لينتحل شخصية رجل أعمال من أصل سوري واسم "كامل أمين ثابت".

والمفارقة أن الضابط الذي كشفه تم خطفه فيما بعد من قبل مخابرات البعث ليمضي 14 عاماً من حياته في سجن "المزة" العسكري بدل تكريمه على عمله الوطني، فيما طويت صفحة مسؤولين وضباط كبار تقرّبوا من الجاسوس الإسرائيلي وسهلوا له مهمته الخطيرة.

وبعد القبض على "كوهين" تلقي ضابط الإشارة معلومات عن احتمال اعتقاله لطي القضية التي هزّت كيان الدولة السورية آنذاك فرّ إلى العراق عام 1968 ليعيش طريداً شريداً بعيداً عن عائلته إلى العام 1971، حيث التقى بعدد من البعثيين الذين أجبرهم دعاة البعث وعلى رأسهم "حافظ الأسد" على الفرار بأنفسهم خوفاً من التصفية أو الاعتقال ومنهم "أكرم الحوراني".


وبعد العراق انتقل "بشير" إلى لبنان وأقام فيه إلى العام 1976 حيث اختطفته المخابرات السورية من شقته في بيروت لتكافئه على خدماته بسجنه في ذات الزنزانة التي سُجن فيها الجاسوس "كوهين".

وروى المعتقل السابق الكاتب "معبد الحسون" لـ"زمان الوصل" أنه عاش مع الضابط "محمد وداد بشير" الملقب بأبي هيثم قرابة أربعة أشهر نهاية عام 1980 قبل أن ينقل إلى سجن تدمر، بينما بقي "بشير" في سجن "المزة" إلى عام 1986.

وكشف محدثنا أن "صائد كوهين" الذي ينحدر من منطقة "الحفة" بريف اللاذقية، كان في السنوات الأخيرة من سجنه مهدم البنيان ومحطماً جسدياً ونفسياً وكان -كما يقول- قلما يختلط أو يعاشر أحداً من السجناء أو يميل إلى التحدث معهم، كثير الصمت والانطواء على نفسه، وإذا تحدث لا يكاد المحيطون به يسمعون صوته.

وأردف أنه "بات في الفترة الأخيرة من اعتقاله لا يقوى على الوقوف أو المشي إلا بالاستناد على شخصين يساعدانه حتى في الدخول إلى المرحاض".

وأشار إلى أن المرض غيّر كثيراً من مظهره الخارجي، وكان شعره أبيض كالثلج وذا بنية نحيلة تناهبتها الأمراض الكثيرة، إذ كان مداوماً على دخول مشفيي "المزة" و"صيدنايا". 

ولفت "الحسون" إلى أن رفيقه عُرض على لجنة زارت السجن للإفراج عن المسنين من المعتقلين ممن تجاوزوا السبعين والمصابين بأمراض عضال، ولكنهم لم يفرجوا عنه رغم فحصه مراراً لعدة أشهر، ليفرج عنه فيما بعد ذلك ضمن عفو أصدره "حافظ الأسد" مع أكثر من 30 ألف معتقل في سجون النظام، ليفارق الحياة في مدينته "الحفة" بتاريخ 22-11-1989 إثر مرض ألم به.

واستعاد محدثنا تفاصيل من عملية القبض على "كوهين" التي قادها "محمد داوود بشير"-كما سمعها منه.

وأشار إلى أن رئيس الجمهورية حينها "محمد أمين الحافظ" أعطاه الأمر بمتابعة الملف حتى انتهى إلى اعتقال الجاسوس الإسرائيلي، وكان هذا الملف –حسب محدثنا- ذا طابع سري حتى على العديد من أفراد القيادة، وبخاصة ممن كانوا على علاقة بكوهين بين عامي 1962 و1965 مما سهّل كشفه والقبض عليه.

وتابع أن "كوهين" كان يستعمل جهاز إرسال قديما يراسل القيادة الإسرائيلية من خلاله عن طريق المورس وإرسال الاشارات السرية، وتم التقاط الذبذبات من قبل السفارة الهندية التي تقع في المحيط القريب لبيت "كوهين"، وأبلغت فرع المخابرات الجوية بشكوكها حول تلك الذبذبات.

ولفت محدثنا إلى أن "بشير" تمكن من تحويل جهاز رصد الإشارات اللاسلكية من النوع الثابت إلى نوع متحرك على عربة جالت شوارع حي "أبو رمانة" حينها، وهو ما سهّل الوصول للجاسوس "كوهين" لحظة إرساله الرسائل والقبض عليه متلبساً ليتم اعدامه شنقاً في ساحة "المرجة" وسط دمشق بتاريخ 18 أيار-مايو/ 1965.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(685)    هل أعجبتك المقالة (1043)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي