أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوري يدخل على خط أعنف أزمة رياضية تهز ألمانيا.. فمن هو وماذا يريد؟

*الصورة التي تبدو عليها المعركة اليوم هي صورة معركة سياسية ثقافية، ليست الرياضة فيها سوى غطاء

*هل كان "أوزيل" سبب مرض "دي مانشافت" أم إنه مجرد عرض
* الاتحاد الألماني خرق عرفه وعرف "فيفا" الذي تواصوا به طويلا، لاسيما في الحالة السورية
*بدا الاتحاد الألماني، أكبر اتحاد في العالم، وكأنه هيئة رياضية تنتمي إلى أحد بلدان العالم العاشر

تمر ألمانيا بأزمة رياضية فارقة ارتفع فيها مستوى الشد والجذب بشكل لافت وغير مسبوق، ولم يسلم من المشاركة فيها أو التعليق عليها سياسي مرموق ولا رياضي بارز، بمن فيم وفي مقدمتهم المستشارة "ميركل" والرئيس الألماني، فضلا عن رئيس اتحاد كرة القدم ومدير منتخب "الماكينات"، المعروف على نطاق أوسع بلقب "دي مانشافت".

وفي هذه الأجواء المحتقنة، والتي تدور على جوانبها رحى حروب سياسية وثقافية طاحنة تحت غطاء الرياضة، انبرت شخصية سورية الأصل للدخول على خط الصراع، مطالبة رئيس اتحاد الكرة "رينهارد غريندل" والمدير الإداري لمنتخب الألمان "أوليفر بيرهوف" بالرحيل.
وقد جاءت هذه المطالبة عبر "أيمن مزيك"، رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، الذي يحمل أصولا سورية، عبر والده السوري المتزوج من ألمانية، ويعد من أبرز الشخصيات التي تتصدى للحديث عن قضايا المسلمين في هذا البلد، ويتم استضافتها بشكل متكرر في المنتديات والحوارات.

ويرفع "مزيك" لواء محاربة التطرف والأصوات المنادية به، ومن هنا لم يكن غريبا أن يكون على رأس قائمة خصوم حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني، وفي مقدمة المستهدفين من قبل المتشددين الألمان، إلى درجة الشروع باغتياله، كما حدث في شهر آذار/ مارس الماضي.
"مزيك" عبّر عن رأيه بالأزمة الرياضية التي تعصف ببلاده، من خلال منشور كتبه في صفحته الشخصية، وأشار فيه إلى "البطاقة الحمراء" التي يجب أن ترفع في وجه "غريندل" و"بيرهوف"، على خلفية تصريحاتهما المخجلة فيما يتعلق باللاعب الألماني ذي الأصول التركية "مسعود أوزيل"، والتي أشعلتها صورة التقطها الأخير مع الرئيس التركي "أردوغان"، وكان معهما أيضا لاعب ألماني (تركي الأصل) يدعى "إلكاي غوندوغان"، غير أن جل التركيز والسخط الألماني انصب على "أوزيل" نظرا لثقله في منتخب "الماكينات".

ولد "مزيك" عام 1969، في مدينة "آخن"، معقل الإسلاميين السوريين في ألمانيا، والتي اغتالت فيها مخابرات النظام في ثمانينات القرن الماضي "بنان طنطاوي" زوجة القيادي "عصام العطار".

درس "مزيك" الفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة "آخن"، قبل أن يلمع نجمه في مجال الدفاع عن قضايا المسلمين، وصولا إلى رئاسة المجلس الأعلى للمسلمين التي تولاها منذ 2010، وهو مجلس يضم تحت جناحه نحو 300 رابطة وجمعية إسلامية.

"مزيك" قرن في منشوره الخاصة بالأزمة الرياضية بين تصريحات "غريندل-بيرهوف" وشعارات ومواقف حزب "البديل" المتطرف، الذي يرى أن لا سبيل لأن تكون مسلما وألمانيا صالحا في نفس الوقت، وفي هذا تأكيد من رجل بهذا الحجم والمنصب على أن الصراع الدائر حول اللقطة مع "أردوغان" إنما هو صراع سياسي وثقافي، بل ربما يكون دينيا في أحد تجلياته، وأن الرياضة ليست في هذا الصراع سوى قنطرة تمرر القناعات المتجذرة من فوقها وتحتها، وعن يمينها وشمالها.

ويعزز من وجاهة هذه النظرة، مراقبة كثافة وتعاقب التصريحات حول قضية "اللقطة" وانشغال وسائل الإعلام بالنفخ فيها، وكأنها بالفعل قضية مصيرية (حياة أو موت) لألمانيا، التي تواجه قضايا أخرى أشد حساسية لم تأخذ هذا الشكل من الجدل.

*سوء فهم
فمنذ ظهر "أوزيل" وشريكه في المواطنة التركية واللمانية وفي الفريق أيضا (غوندوغان).. منذ أن ظهرا خلال أيار/مايو الماضي في لقطة مع "أردوغان"، لم يتوقف انتقادهما لحظة، ولم يخجل من التعليق على قضيتهما سياسيون بحجم المستشارة "ميركل"، أو الرئيس الألماني "شتاينماير"، رغم ما يعرف عنهما من "حصافة" سياسية، يفترض أن تجعل منهما بعيدين عن قضية يبدو استغلال المتشددين لها سافرا إلى درجة لا تحتاج تفسيرا.

فـ"ميركل" لم تتردد في التعبير عن "استيائها" من فعل "أوزيل" وزميله، معتبرة أن اللقطة "أثارت تساؤلات وسوء فهم"، ووافقها "شتاينماير" كليا حينما استقبل اللاعبين ودعاهما إلى توضيح "سوء الفهم" الذي أحدثه قبولهما التقاط صورة بجانب "أردوغان".

والدعوة إلى توضيح "سوء الفهم" في قاموس السياسيين هي تعبير عن الدعوة للإقرار بارتكاب خطأ وتقديم الاعتذار عنه.

وإذا كان هذا رأي "ميركل" و"شتاينماير"، فإن من تحصيل الحاصل ذكر آراء سياسيين ألمان آخرين يقفون في اليمين أو أقصى اليمين، ومن تبديد الوقت عرض تصريحاتهم في قضية "اللقطة" بالذات.

ولم يكن "الوطيس" أقل حماوة في الميدان الرياضي، بل على العكس تماما، كانت التصريحات من القيادات الرياضية الألمانية أكثر مباشرة وأشد حدة، إلى درجة يخال من يستمع إليها أنها تصريحات صادرة عن اتحاد رياضي تابع لدولة من دول العالم العاشر، التي لا تقيم وزنا سوى للعبارات المعلبة والمواقف مسبقة الصنع، المسقوفة بسقف "الوطنية" الفاترة، ولا تعترف بتنوع الرأي ولا بتعدد الثقافات ولا باختلاف المقاربات.

ولنأخذ مثلا "رينهارد غريندل" السياسي المعروف وعضو البرلمان، الذي يتولى منصب رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم (أكبر اتحاد كرة في العالم)، وهو يعلق على القضية ببيان رسمي مكتوب يقول فيه: "الاتحاد الألماني يحترم بالتأكيد خصوصية لاعبينا أصحاب الجذور من خارج ألمانيا، لكن كرة القدم والاتحاد يقدران القيم التي لا يحترمها السيد أردوغان بالقدر الكافي... ومن هنا، فإنه ليس بالأمر الجيد أن يضع لاعبانا الدوليان نفسيهما موضع الاستغلال في حملة أردوغان الانتخابية. بالتأكيد هذا لا يخدم جهود الاتحاد في دمج اللاعبين".

ويبدو التلويح في الجملة الأخيرة بعصا "الدمج" واضحا وجليا، وهو ما يتقاطع مع أدبيات الحزب "البديل"، أما الزج بقضية سياسية في بيان لاتحاد رياضي، فهو يخرق –بجلاء- العرف الذي تتواصى به اتحادات الكرة في "العالم المتقدم"، ويتشبت به "فيفا" (الاتحاد الدولي لكرة القدم) دوماً، لاسيما عندما يتعلق الأمر بشكوى رياضيين من اضطهاد حكومات بلادهم لهم ( الحالة السورية مثالا)، حيث يرتفع صوت "فيفا" وغيره داعيا إلى فصل الرياضة عن السياسية، ومتذرعا بأنه مجرد كيان رياضي لا سلطة له على سياسات الدول، حتى عندما تنتهك هذه السياسات مواثيق "فيفا" نفسها.

ومن الواضح في بيان "غريندل" أنه أراد نهي "أوزيل" وزميله عن الزج بالسياسة في ميدان الرياضة، لكنه –أي غريندل- وقع فيما نهى عنه، وسمح لنفسه بتقييم تجربة رئيس دولة أخرى، ليس على مستوى الخطوات والبرامج السياسية- بل وهو اللافت، على مستوى القيم، أي إننا أمام رئيس اتحاد سمح لنفسه بوضع "القيم" التي يؤمن بها رئيس منتخب من شعبه على مسطرته، مستخلصا أن هذه "القيم" التي تعكس قيم شريحة معتبرة (صغيرة أو كبيرة) من الأتراك، هي قيم غير متوافقة مع المقاييس الألمانية من وجهة نظر "غريندل".

ولم يتردد المدير الإداري للمنتخب الألماني "بيرهوف"، والذي له تاريخ حافل في الملاعب أيام كان نجما كرويا.. لم يتردد في الإدلاء بتصريحات "هتلرية" التوجه، في نزوعها نحو الإقصاء كحل لقضية "أوزيل"، حيث قال إنه يفضل الاستغناء عن "أوزيل" واستعباده من المنتخب.

وادعى "بيرهوف" أنه لم يتم من قبل إجبار أحدا من لاعبي المنتخب الألماني على فعل أي شيء، وأن الإقناع كان الوسيلة المثلى للتعاطي معهم، قبل أن يستدرك مضخما قضية "أوزيل": "لكن مع أوزيل لم نتمكن من فعل ذلك، لذا كان علينا أن نفكر بالاستغناء عن خدماته".
ورغم أن "بيرهوف" تنصل من تصريحه هذا لاحقا، وقال إنه كان "مخطئا" في دعوته الإقصائية، فإن شيئا لم يتغير حتى الآن تقريبا من التعاطي الرسمي (السياسي، الرياضي، الإعلامي..) مع قضية "اللقطة"، بل العكس تماما ما تزال القضية تتدحرج ككرة نار، مستمدة وقودها من الحالة المتردية التي ظهر عليها ""دي مانشافت" في بطولة كأس العالم، إلى درجة خروجه بسجل مخجل لعباً ونتيجة، ليستقر في خانة واحدة مع المنتخبات المتواضعة، ويحمل –أو يحـُمِّل "أوزيل" جزءا غير هيّن من "الكارثة".

*انعكاس أم تغطية
وفي ظل هذه الإعصار الذي يعصف بساحة الرياضة الألمانية، يبرز أكثر من سؤال قد تكشف إجاباتها الجزء الخفي من الصورة (صورة الوضع الرياضي الألماني وليس صورة أردوغان مع أوزيل)، ومن هذه الأسئلة: هل المعركة التي تخوضها القيادة الرياضية الألمانية اليوم ضد "أوزيل" وغيره من ذوي الأصول غير الألمانية، هي في النهاية معركة تهدف فعلا لإصلاح ما تعرضت له سفينة المنتخب، وهل تركز بالفعل على مكمن المرض أم تلوذ بالحديث عن العرض، وكيف للاندماج المطلوب أن يتم إذا كان كثوب "عيرة" يهدد كل لحظة باستعادته، وإذا ما كانت معاييره متلونة وخاضعة لسوق العرض والطلب، ومتأثرة بمواقف "مع" أو "ضد"؟؟.

وأخيرا وهو السؤال الأكثر أهمية وحيرة: هل النكسة التي أصيب بها منتخب الألمان مؤخرا هي انعكاس لقضية "أوزيل" وما أحدثته من نقاشات حادة انتهت بانقسامات قاتلة، أم إن إثارة قضية "أوزيل" بهذا الشكل المبالغ، ما هي إلا مجرد وسيلة للتعمية على فشل ذريع متوقع، كان الألمان يترقبونه قياسا إلى دراسة حالة المنتخب ومدى انسجامه والتزامه.. والألمان سادة من يقدم الدراسات وسادة من يتوقع بناء عليها.

إيثار عبدالحق-زمان الوصل
(192)    هل أعجبتك المقالة (187)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي