خرج للمطالبة بالحرية والكرامة وإسقاط نظام حافظ الأسد قبل 35 عاماً فاعتقل ليُغيّب وراء الشمس وتغيب أي أخبار عنه منذ ذلك الحين، شأنه شأن آلاف المعتقلين السوريين الذين انقطعت أخبارهم انقطاعاً تاماً بعد مجزرتي حماة وتدمر؛ وبين مشاعر الأمل واليأس والرجاء والخيبة لا زال ذوو الإطفائي الديري "عايش أحمد الطباش" ينتظرون عودته أو سماع خبر عن مصيره أو مكان اعتقاله إن كان لا زال معتقلاً.
وروى "محمود الطباش" ابن المعتقل المغيّب أن والده ينتمي إلى قبيلة "القلعين" نسبة إلى "قلعة الرحبة" في مدينة "الميادين"، وكان يعمل موظفاً في إطفائية دير الزور قبل أحداث الثمانينات، حيث خرج في مظاهرات المدينة احتجاجاً على مجزرة حماة وللمطالبة برحيل "حافظ الأسد".
وتابع محدثنا الذي لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره آنذاك أن والده توارى عن الأنظار بعد أن بدأت أجهزة الأمن باعتقال المشاركين في المظاهرات، وبعد ثلاثة أيام تم استدعاء شقيقه -عم المصدر- "عبد الجبار الطباش" الذي كان يخدم كمساعد أول في حرس الحدود (هجانة) بدير الزور– أمن البادية- إلى فرع الأمن السياسي وهددوه بطريقة ما لتسليم شقيقه وإقناعه بأنه غير مطلوب.
وتم إلقاء القبض على "عايش الطباش" في منطقة "الصناعة"، حينما كان يصلح دراجة بثلاث عجلات اعتاد على التكسب منها أثناء فراغه من الوظيفة.
وأردف محدثنا أن عمه أخبر العائلة بعد ذلك أن الوالد بخير وهو موجود في المستشفى العسكري، وعندما ذهبت والدته لرؤيته فوجئت أنه في حال صحية سيئة للغاية، إذا كانت فقرات ظهره مكسورة وقدمه وكتفه محطمين جراء التعذيب، وعلمت منه -حسب محدثنا- أن مخابرات النظام وجهت له تهمة الانتماء لحركة "الإخوان المسلمين الإرهابية"، وطلب السعي لإخراجه ولكن العائلة لم تتح لها -كما يقول- فرصة رؤيته مرة ثانية إذ عادت والدته بعد ثلاثة أيام ولم تجده في المشفى وغابت أخباره ولم يُعرف مصيره إلى الآن.

حاولت عائلة الإطفائي المعتقل السؤال عنه فقيل لهم ممنوع أن تذكروا هذا الاسم أو تسألوا عنه؛ ولفت محدثنا إلى أن روايات وأحاديث عدة تواردت آنذاك عن وجوده في "صيدنايا" حيناً وسجن تدمر أحياناً أخرى.
وذكر البعض أنه صُفي رشاً بالرصاص على يد "رفعت الأسد" مع من صفاهم في مجزرة السجن الصحراوي، ولكن لم يصل أي خبر من مصدر موثوق عن مصيره أو مكان اعتقاله.
وتشير إحصائيات توثيقية إلى أن عدد من دخل سجن تدمر منذ نهايات السبعينيات وحتى نهاية الثمانينيات حوالي 40 ألف شخص. وتُقدّر اللجنة السورية لحقوق الإنسان عدد الذين دخلوا السجن ولم تُعرف أخبارهم حتى الآن، ممن يعتقد أنهم قتلوا هناك ما بين 17-25 ألف شخص.
ترك "عايش الطباش" ستة أولاد وثلاث بنات أكبرهم لم يتجاوز العاشرة ولم تمنح عائلته أي تعويض أو راتب في وظيفته كإطفائي منذ اعتقاله لأنه اعتبر "إرهابياً". وأكد محدثنا أن أولاد المعتقل المغيّب منعوا منذ اعتقاله مطلع الثمانينات ولغاية العام 2011 إثر اندلاع الثورة السورية من السفر أو الحصول على الوظائف أو متابعة شؤونهم في دوائر الدولة من إفراغ أو استملاك أراضٍ وعقارات أو غيرهاّ؛ كما جُرّدوا من كافة الحقوق المدنية والعسكرية، ولم يسمح لهم بممارسة أي عمل سوى الأعمال الحرة بعد اندلاع الثورة 2011 شارك أبناء المعتقل الغائب في المظاهرات وطالبوا بحقوق والدهم فتم اعتقال محدثنا من قبل الأمن السياسي -كما يقول- وكذلك من قبل الأمن العسكري أثناء تولي اللواء المقتول "جامع جامع" له، كما تم اعتقاله من قبل أمن الدولة لدى العقيد "دعاس دعاس".
وكشف "الطباش" أن ثلاثة من أشقائه وهم "جمال" و"عبد السلام" و"خالد" والعديد من أبناء أشقائه وشقيقاته قضوا أثناء الحملة الهمجية على دير الزور في منطقة "المطار القديم"، وتم حرق العديد من البيوت ومنها بيتهم الذي يتألف من ثلاثة طوابق بعد مقتل أول أخ له بتاريخ 22/ 11/ 2011.
وكان "الطباش" -كما يقول ابنه- رجلاً شهماً طيباً لا يسكت على ضيم، وأثناء عمله كسائق لسيارة الإطفائية كان له الفضل في مساعدة الكثير من أبناء المدينة وإخماد حرائقهم والحد من الكوارث، واعتاد على العمل في أوقات راحته على دراجة بثلاث عجلات في تحميل مواسم الحصاد والخضار لتحسين وضعه المعيشي ككل أبناء دير الزور تلك الفترة.
فارس الرفاعي -زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية