أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ساعة "كوهين" تعمل من جديد*

كان يستخدمها الجاسوس "إيلي كوهين"

يبدو العنوان دلالياً أكثر منه ميكانيكياً، لكن الحقيقة هي أن ساعة يد حامل الاسم الشهير، الجاسوس الإسرائيلي إيليا كوهين، عادت للعمل بالفعل..!

في خبر عَبر أذهان القرّاء السوريين في أقاصي منافيهم، جاء على صفحات وكالة الـ "بي بي سي" العربية، أن: 
"هنأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الموساد على ما وصفه بـالعمل الحازم والشجاع الذي أعاد إلى إسرائيل تذكارا من مقاتل عظيم قدم الكثير لتعزيز أمن دولة إسرائيل".

الخبر الذي أثار موجة من الردود، بطبيعة الحال، لدى السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، فنال الخبر نصيبه من التهكّم، أيضاً بطبيعة الحال، ومن الازدراء للنظام السوري الذي بات يتبادل الهدايا مع مريديه و(أعدائه المحتملين) على محمل واحد، في خطوة ليس من مبرّرٍ سياسيّ لها، وهذا ما فتح نيران المنشورات والتغريدات الإلكترونية، والتي لم تُغلق أصلا، على النظام، لكن بنكهة انتقادية لبطل الممانعة والمقاومة، فهذه المرة الطرف الآخر الذي يتنازل له النظام هو إسرائيل مجدداً، ليس روسيا ولا الصين.

كنت مهتماً الى حدٍ ما بسيرة الجاسوس الإسرائيلي "إليا كوهين"، فلم أكتفِ بقراءة ما كتب عنه الكتاب العرب والسوريون، بل تتبعت سيرته على ألسنة الكتّاب الإسرائيليين، فمن المهم أن نعرف شهادة شاهدٍ من أهله فيه. والحقّ أن إسرائيل لم تنكر يوماً عملها الاستخباراتي في سوريا، والذي بطبيعة الحال اعتبرته بطولياً، إلا أن بعض التفاصيل التي نستقرئها في زوايا القصّة هنا وهناك، نعم تشير الى وجود روابط وعلائق، كانت سببية في حتمية وجود كوهين في سوريا، والتي لم تكن مهمته، على ما أفهمت للناس، عملية استخباراتية عادية، ولا تجسّسية كلاسيكية، بل أن الرجل كان يؤدي دوراً سياسياً عن حكومته في سوريا، هو بإيمانه العميق بالصهيونية ودولة اليهود، وهم، الحكومة الإسرائيلية آنذاك، باستغلالهم للأشخاص "المخلصين" لفكرة إسرائيل، متجاوزين عامل العاطفية التحريكية لأشخاص بأحلامٍ كبيرة، كانوا بيادق في أيدي النظام الإسرائيلي المُعمّر للإمبراطورية السياسية في الشرق الأوسط.

لا يهم اليوم تسليط الضوء على علاقات حافظ الأسد وأمين الحافظ وكبار الضباط السوريين في أوائل الستينيات بـ"كامل أمين ثابت"، النسخة السورية من إليا كوهين، لأن الأمر بات مكشوفاً لدى الجميع، ولم تخفِه حتى بعض الصحف الإسرائيلية، ولا العربية، فهذا أمر رُفِعَ عنه القلم.

لكن ما يبدو محيّراً اليوم، التزامن بين عملية إرجاع ساعة يد إليا كوهين، لإسرائيل، في الوقت الذي تدور فيه المناوشات بين الجيش السوري الحر، وقوات نظام الأسد، وروسيا والمليشيات الأخرى، على مقربة من الحدود الإسرائيلية، الأمر الذي كان محرّماً منذ أسابيع قليلة، على جميع الأطراف، أقصد على جميع الأطراف ومنها الجيش الحر وروسيا، بضمانات عربية وروسية. فما سبب هذه العملية النوعية الآن؟ والآلاف من المهجّرين السوريين المدنيين، يفترشون الأرض على طول الحدود مع الأردن و إسرائيل، في حين أن أصواتا تعلو من هنا وهناك، عن صفقات تدور في الكواليس، عن التنازل عن الجولان رسميّا لإسرائيل، مقابل ضمانات سياسية للأسد، فهل هي عملية إثبات حسن نوايا ؟!

على ما يبدو أن ساعات اليد، لها دلالات شخصية عن حامليها، أكثر مما نعرف، فمن ساعة يد "البغدادي" التي شغلت الإعلام السوري بشقيه المعارض والمؤيّد، بل وحتى العالمي، لأيّام، الى ساعة يد "جون" أشهر منفذ لأحكام الإعدام، في تنظيم داعش، وساعة يد "الجولاني"، الأمر الذي لا أعرف لماذا يذكرني بساعة يد شخصية "روبيرت لانغدون" بطل روايات الكاتب "دان بروان"، إلا أن ساعة روبيرت، كانت على هيئة "ميكي ماوس"، وتعكس ظُرفاً في شخصية الدكتور الجامعي، على نقيض ساعة يد كوهين، التي تبدو في الصورة محاطة بهالة من السرية والغموض، أو هكذا شعرت أنا على الأقل عندما رأيتها.

في أفلام جيمس بوند، الجاسوس البريطاني الشهير، كان لساعة اليد التي يرتديها، دور كبير دائما، في إحداث أثرِ ينقذ الموقف في أكثر اللحظات حرجاً، فلا نعرف هل الساعة الغريبة المتطورة، كانت تنقذ الجاسوس، أم تنقذ المخرج، من حرجٍ في الحبكة الدرامية ؟! وهنا يرد السؤال المحمّل بالفضول، هل عادت فعلا ساعة إليا كوهين الى العمل مجدداً؟! وهل ستنقذ الموقف الحرج للنظام، مجدداً هذه المرة؟!

بالعودة للخبر، يقول رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين: "لن ننسى إيلي كوهين أبدا. تراثه الذي يتميز بالإخلاص وبالحزم وبالشجاعة وبحب الوطن هو تراثنا. نحن على اتصال دائم وحميم مع زوجته وعائلته. إيلي ارتدى ساعة اليد هذه في سوريا حتى يوم إلقاء القبض عليه وكانت الساعة جزء من هويته العربية المزيفة".

انطلاقاً من آخر جملة في التصريح، أن كانت الساعة جزءا من هوية الجاسوس العربية المزيفة، يبدو أن الساعة أدّت دورها بشكلٍ جيّد، ولها أثر سحري على هويّة حاملها، وهنا يبدو أن الكثيرين باتوا محلّ شكٍ في انتماءاتهم العروبية، عن صنّاع القرارات السياسية في البلدان العربية أتحدث، فمن غيرهم توضع انتماءاتهم على المحك، في ظلّ الامتحان السوري، وأزمة القرن.

وبهذا يبدو أن بعض القادة العرب، باتوا بحاجة لهذه الساعة، أو أثرها على الأقل، أكثر من حاجة أرملة كوهين لها..!

فهل عادت ساعة كوهين الى العمل بأثرها السحري حقاً؟ أم أنها منذ العام 1965، حيث أعدم كوهين في دمشق، تزامناً مع نجاح انقلاب البعث بالسيطرة على الحكم في سوريا، لم تتوقف الساعة عن العمل أصلاً حتى يومنا هذا..؟!


*سعد الربيع - صحفي سوري
(242)    هل أعجبتك المقالة (252)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي