تشبه سوريا اليوم مسناً في أرذل العمر يسأل نفسه العاجزة ويحاسبها بعد أن عقّه أبناؤه: هل هذا ما جنته يدي، وما أستحقه؟، نعم لقد فشلت في تربية ولد واحد أسند عليه جسدي المتهالك؟.
سبع سنوات من الصراع والدم، والأفرقاء بين سند للمجرم ومرتد عن الحق، وبينهما ضحايا وأبرياء قدرهم أنهم صدقوا هؤلاء فخرجوا يهتفون للحرية من المستبد، وآخرون صدقوا المجرم ومصالحهم، فصارت البلاد بين أيديهم خراباً منهوباً.
اليوم درعا وقبلها غوطة دمشق وحلب وكل المناطق التي خرجت من يد الجلاد تنازع حريتها، وتعيد تجربة التصالح أو الدمار، ومن يملكون سلاح الدفاع كشفوا سترهم، وكشفوا عن أدوارهم في الإجهاز على روح الثورة قبل تسليم الأرض، وتسارع الضفادع مع أول تهديد للنظام وحلفائه للإعلان عن ولائهم المستور.
اليوم يدرك من بقي في معاقل الثورة حجم الخديعة، وأنه من الممكن أن ينشق الصباح على خائن أو مدسوس، وعليه أن يأخذ حيطته وحذره ممن يحمل السلاح معه بنفس الخندق، وأكلت الريبة بذلك قلوب من بقوا على إيمانهم بالثورة والقتال، وهذا ما يريده القاتل ومن يسانده في أن تنشق الصفوف، وهذا ما عمل عليه منذ اللحظة الأولى لذاك الهتاف النبيل.
بالمقابل يأتي الدور على أولئك الذين لم يحملوا السلاح، ووجدوا في الثورة فرصة عمل ومال وفير، ومكاسب يدافعون عنها بأسنانهم ومكائدهم، وتغير الخطاب الواحد في مظهره إلى صراع في العلن، وغمز في السر، والبعض أوشك على أن يخرج رأسه من وحل الخديعة إلى الإعلان عن ولاءاته السرية، وبعض الغزل للنظام هو هجوم على من ثاروا عليه بدعوى إصلاح المسار.
الأدهى أن كل هؤلاء لم يعد لديهم أي حرج في إعلان وضاعتهم، ولم يعد يخجلهم سيل الفضائح عن شركاتهم ومعاملهم وحساباتهم البنكية هنا وهناك، وحتى حملة قلم الثورة الذين كانت تخجلهم صورة في مطعم فاخر باتوا يجاهرون بسهر الليالي ونزهات الجبال والبحر، وسفرهم المتواصل إلى منابع الارتزاق.
حملة السلاح حلقوا ذقونهم المجاهدة وباتوا متعهدي بناء وتجارا وأصحاب دكاكين، ومنهم من عاد إلى حضن النظام معتقداً أنه بمنأى عن الحساب، وسيحظى بقيادة فصيل جديد وراية جديدة، والبعض ارتضى بكيل الشتائم واللعنات على الثورة، وتأليه الطاغية راضياً بالعودة إلى ما كان عليه قبلها...لص أو موظف حقير وإن علا شأنه قد يحظى برتبة مخبر خبير.
الثورة في خطر داهم ليس لأنها فقدت أرضاً أو سلاحاً، وليس لأن داعميها خذلوها، وليس لأن النظام يتقدم والأسد بات على هيئة طاووس يصفق لريشه المنفوش زعماء العرب والعالم المتخاذل...الثورة في خطر لأن من يملك أن يمسك لحظة حقيقتها ليس موجوداً، وخروج الضفادع والخونة منها هو شرف لها لأنها باتت خالصة لذاتها فمن يقدر على إعادة دفة جوهرها...وأما البلاد فنصيبها إما كموت المسنّ وحيداً، أو عزيزاً كأبٍ محاط بالبررة والمحبين.
*ناصر علي - من كتاب"زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية