أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

درعا.. مسرح النفاق الأممي.. عبد السلام حاج بكري*

درعا.. فارون من قصف النظام - جيتي

من غير المنطقي مطالبة ثوار درعا بالدفاع عن المحافظة حتى الموت أو الانتصار، هم الأقدر على تقدير الموقف وسلوك المناسب من الطرق، ولكن من غير المنطقي أيضا القول بأن كل الفصائل أثبتت ثوريتها لأن بعضها أثبتت على نفسها العكس، ومنها من بادر ودعا للتسليم وعدم المقاومة ليس إقرارا بالهزيمة واستحالة النصر بل عمالة وخيانة، ولكن بأي ثمن؟ هذا ما لا يمكن معرفته مؤقتا.

لا شك بأن الفصائل العسكرية المتوزعة في كل سورية تتحمل مسؤولية غير قليلة عما وصلت إليه مجريات الأحداث الميدانية من الشمال إلى الجنوب، لأنها في الحقيقة أقل من أن تتمكن من اللعب مع اللاعبين العمالقة في الساحة السورية، وسلكت الطرق المرسومة لها بجهل أو ضعف أو عن سابق قرار من بعض القيادات التي امتلأت جشعا فسعت لتحقيق طموحاتها الفردية غير آبهة بثورة أو غيرها.

الثوار كانوا الحلقة الأضعف على الساحة منذ دخول الميليشيات الشيعية ومن بعدها الاحتلال الروسي، ومن قبل ذلك كانوا مسيّرين بشكل غير مباشر من قبل الداعمين والوكلاء الإقليميين للرأس المدبّر في الغرب وإسرائيل، وتم تهميشهم نهائيا مع صعود الغرب وإسرائيل علانية إلى المنصة وإزاحة الوكلاء عنها.

لعبٌ على المكشوف، الساحة باتت مسرحا للمساومات والمفاوضات بين اللاعبين، كلٌ يحاول قضم أكبر قطعة من الكعكة، لكن الأكبر بين الموجودين كانت إسرائيل التي سيّرت الجميع، وهم تهافتوا على إرضائها لإقرارهم بأنها الأكبر بينهم، أنصع الأدلة على ذلك ما يجري في درعا اليوم فقد أقصت العرب وأوعزت لأمريكا بالصمت. 

درعا، مسرح عمليات اليوم، كانت لفترة طويلة عقدة شهدت الكثير من التجاذبات انتهت بلقاء إسرائيلي إيراني "مقاوم" في عمّان تمخّض عنه (حسب مجريات الأحداث) اتفاق على إبعاد اللاعبين العرب الصغار كالأردن والسعودية وقطر ومصر عن المشهد في الجنوب، وتكليف جيش الأسد بالهيمنة على المساحة الأوسع من المنطقة بدعم روسي، متزامن بضغط كبير على الفصائل المعارضة لعدم خوض معارك كبيرة ضده بسلاحها المخزّن بكثرة، وأوقفت أمريكا دعم الفصائل وتركتها لمصيرها الذي قررته لها إسرائيل مع حليفتها الإقليمية إيران "المقاومة".

تلتزم إيران بموجب الاتفاق بالابتعاد ظاهريا عن مناطق محددة في الجنوب، بحيث لا تشارك فصائلها بمسمياتها المعروفة في المعارك، ومن المرجح أن الدولتين اتفقتا على اشتراكها تحت مسمى الجيش السوري، على أن تكون غالبية عناصرها من الذين منحهم بشار الأسد الجنسية السورية.

مقابل ذلك تلتزم إيران بسحب سلاحها الثقيل ولا سيما الصواريخ بعيدة المدى، وكانت إسرائيل دمرت غالبيتها من خلال موجات القصف المتوالية لها خلال الفترة الماضية، وهذا ما يفسّر توقف إسرائيل عن استهداف المقرات الإيرانية، التي طالما أكدت أنها ستكون هدفا لنيرانها ما بقيت على الأراضي السورية.

نفاق دولي وقح لا يردعه وازع إنساني أو أخلاقي، أسوأ ما فيه ما يشهده النازحون اليوم من تشرد على الحدود غربا وجنوبا وفي الصحاري شرقا، وليس أقل منه وقاحة بكثير تخلّي الأطراف الراعية عن اتفاقات خفض التصعيد التي كانت تضبط المنطقة.

لسنا من يقول ذلك، بل الأحداث، لا عداء إسرائيلي إيراني ولا تباين كبيرا بالمصالح، كل ما في الأمر اختلاف على حجم النفوذ وقدرة السلاح الذي لا تسمح إسرائيل بتواجد الثقيل منه على مقربة منها لأي طرف كان، فهي لا تترك أمنها للصدفة وتحصّن أمنها بنفسها سياسيا وعسكريا، ولا تمنح الآخرين خيارا فيه، شاركها بتنفيذه في الجولان الأسد الأب منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي ومن بعده الابن ومعه حزب الله في جنوب لبنان حيث كان العصا التي ضربت كل مقاوم حقيقي لا سيما بعض الفصائل الفلسطينية.

أمريكا التي رفعت يدها عن الجنوب، وعربان الخليج والأردن الذين تخلوا عن عروبتهم وقرابتهم لأهل الجنوب لمصلحة جيش الإجرام التابع لبشار الأسد، شركاء في جريمة قتل وتهجير مئات الآلاف من أهل حوران الأبي، إنها لعنة ستلاحقهم جميعا، ليس أهل سورية وحوران خصوصا من ينام على الضيم ويترك المجرم والخائن يصول دون عقاب، والأيام دول.

*من كتاب "زمان الوصل"
(110)    هل أعجبتك المقالة (114)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي