أكثر من 70 ألف هارب من موت الأسد وروسيا وإيران، وأحزاب الممانعة والمقاومة تدك القرى والمدن بالصواريخ والطائرات، وقتلى وجرحى ينوؤون تحت فزع يبدو أنه سينتهي بمجزرة كبرى وضحايا جدد يضافون لقائمة الموت السوري الفاضح، وعالم صامت يبارك انتصار الجلاد على شعبه الأعزل.
دعوات انتقام من شبيحة وموالين يرون أن درعا والقنيطرة وريفهما يجب أن يسويّا بالأرض، وهو استيفاء لعهد قطعه ماهر الأسد بزراعتها بالبطاطا بعد تدميرها وطرد أهلها، وهذا ما لم تقوَ عليه اسرائيل بجبروتها، ولكن حقبة علو الطغاة في عزها، وعار العالم يزهو بالفرجة على جثث الأطفال ومشهد الهاربين.
العرب لم يتخلوا عن جيرانهم وأهلهم، وهم ثابتون على مواقفهم، فالحدود مغلقة في وجوه المذعورين والجرحى، وصمت القبور يلف الشوارع والبرلمانات والحكومات والقصور، والملوك والرؤساء والأمراء يرون في الدرس السوري عبرة لشعوبهم كي لا تعيد الكرّة، وترتكب حماقة التغيير.
في الداخل السوري ثمة أخوة لدرعا وللجنوب شامتون، وهم اليوم ينتقمون لما يسمونه صمت درعا على موتهم، ليس انتقاماً بالمعنى الحرفي، ولكنه نكوص لمبادئ الثورة، ووحدة الجرح والدم، وربما تكاسلت الجبهات عن نصرة بعضها ولكن هذا لا يدعو للشماتة فالقتلى إخوة وأهل.
النظام بدأ بدرعا وريفها لأنها الجبهة الأقوى والعصية، والقنيطرة في خانة الذبح، ونصيبها سيبدأ بالتصاعد بعد حين قليل، والضوء الإسرائيلي يرتب له الروس لتدمير القنيطرة مرة أخرى مع استفاضة بتدمير كل ما حولها، وهي البيوت التي بناها نازحوها بعد هجرتهم الأولى من الجولان ليتكرر المشهد ثانية بيد سورية وأعداء جدد، ورصيد جديد من التوابيت والسواد.
اليوم درعا وحدها في النزيف، وشهداء قرية المسيفرة وصلوا إلى 40 شهيداً، وصور انتشال الضحايا من تحت الأنقاض بدأت بالظهور، والمشهد السوري مكرر ودامٍ وإن اختلفت الجهات والجبهات، والعالم مشغول بخبر انتحار هنا، وقتيل في بيروت من أجل هزيمة ألمانيا في كأس العالم، وأما إخوة الدم فيبكون جهة جديدة ميزتها أنها كانت أولى الجهات الصارخة.
لا أدعو لإشعال جبهات من أجل الجنوب، ولا لفتح المعابر والحدود للهاربين، ولست مع حماقة الصمود، ولا فرضية الاستسلام، ولكنه وقت مناسب جداً للبوح بعد أن سكت كل الكلام المباح وسواه، ووقت لنسأل أين أصبحت ثورتنا ومن هتك سترها، وكيف السبيل لأن نعود كما كنا وقت كانت درعا وحدها تكتب تاريخنا الجديد بعد عقود الذل...أليست من هنا خرجت صرخات (الموت ولا المذلة)...أليست هي الأرض التي ارتوت من أول قطرة دم في ثورة شعب لم يتوقف بعد فيه نهر الدم.
أين يفرّ الجنوب اليوم من موته؟ وأين سينتهي به المطاف...أفي جهة أخرى حيث الفرار الأخير لكل من رددّ صرخة الجنوب.
*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية