على الرغم من أنني من درعا فعلا، ولست بحاجة لبوستر جاهز كي ألصقه على ظهري أو على صفحتي، إلا أنني آثرت خلال الفترة الماضية الابتعاد عن قول أي شيء، لأنه ورطة كبيرة أن تكتب بعكس حالة الحماس السائدة حولك، فلن تنال في هذه الحالة سوى الشتم والتخوين .. وأنا أكره الاثنتين معا.
ومع ذلك ليس بوسعي أن أبقى صامتا إلى ما لا نهاية، فرسائل أخي وأهلي الذين لازالوا يقيمون هناك، تجعل صوابي يحلق عاليا، وفي كثير من الأحيان لا أستطيع استرجاعه، ومن جهة ثانية، من الصعب أن تقول لأشخاص مندفعين، ولديهم إيمان خفي بالنصر، أن تمهلوا قليلا، وأن الله لن يحارب معكم حتى لو كنتم مظلومين، وأن النصر سيكون لمن لديه المدفع الأطول، ولمن يملك زرا أكبر من الآخر. صعب على أهل حوران أن يتقبلوا هذا الصوت وفي هذا التوقيت بالذات.
أنا على يقين أن أبطال حوران، سوف يذيقون النظام وحلفاءه الويل قبل أن يتمكنوا منهم، وهناك من العقلاء من يتساءل بجد: ماذا لو استطاع أهل حوران الصمود أو النصر..؟ ولعل الكثيرين يراهنون على هذه النقطة بالذات لرفع سقف المطالب عند التفاوض سياسيا.
لكن كل ذلك لا ينفي أننا أمام حقائق مرعبة عن الوضع العسكري في المنطقة الجنوبية، بعدما أعلنت جميع الدول الداعمة عن تخليها عن المقاتلين هناك، وأقفلت الأردن حدودها بوجه المدنيين الفارين من الموت، فهذه الحقائق لوحدها كافية لأن تخبرنا عن نتيجة هذه المعركة سلفا، فمهما استبسل أهل حوران، ومهما أبلوا بلاء حسنا في الدفاع عن مناطقهم، لكن في النهاية الغلبة سوف تكون للقوى المهاجمة، التي تملك تسليحا أفضل، وتقاتل بعيدا عن أية ضغوط دولية وشعبية، ما يعني أنه لديها الاستعداد لارتكاب ما تشاء من المجازر دون حسيب أو رقيب.
لذلك، نحن اليوم أكثر ما نحتاج إلى العقل، كي نجنب أهلنا المزيد من القتل والتهجير والتدمير، فإن لم يملك المقاتلون القدرة على شن هجوم عسكري على دمشق، والدخول إليها، فإن أي معركة خارج هذا الإطار هي خسارة لهم، وكل ما يقال عن إمكانيات كبيرة في الدفاع وصد الهجوم، إنما هي حالات مؤقتة لن تستمر إلى ما لا نهاية.
الكثيرون لا بد أنهم يتساءلون ما هو الحل في هذه الحالة..؟
الحل من وجهة نظري، إذا لم يكن في نية المقاتلين التوجه نحو دمشق، ولا يملكون الإمكانيات لذلك، أن يتم التواصل مع الدول المؤثرة والفاعلة في ملف الجنوب بالإضافة إلى الدول الكبرى، والعودة للمفاوضات من جديد.
يجب أن نعترف أنه لا يمكننا إسقاط النظام من درعا، كما أننا لا نستطيع أن نجعل من درعا منطقة مستقلة، ولن يسمح لنا أحد بذلك.
الحرب يا إخواني ليست حفلة عرس وحلقات دبكة وأهازيج وأغاني حماسية.
نرجوكم ألا تزيدوا في هزائمنا إذا كان الحال سينتهي بكم كما الغوطة وحلب وحمص وغيرها من المناطق.
صدقوني أن القبول بالتفاوض ليس هزيمة، وليس اعترافا بهذا النظام.
المهم اليوم، وإذا كنتم حريصين على أهلكم، ألا تسمحوا للقوات الغازية الدخول والقيام بعمليات انتقامية، ردا على بسالتكم في القتال.
الشجاعة ليست دائما بالمصارعة، وإنما في كثير من الأحيان هي موجودة في الرأس .. والرأس الحوراني عودنا على الدوام بأنه أكبر من عضلاته.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية