هذه المرة تبدو عين نظام الأسد على درعا والقنيطرة في جنوب البلاد، حيث المعادلة الأكثر تعقيداً إقليمياً ودولياً، وبدأ بالتحرك عبر قصف جوي لمناطق تواجد المعارضة بشكل يومي ومكثف، وهو مؤشر ينذر بتداعيات خطيرة من ضحايا بدؤوا بالتساقط إلى حالة نزوح تشير الأمم المتحدة إلى أنها الأكبر.
تترافق حملة القصف العنيف مع تساقط قذائف الهاون على مناطق سيطرته في السويداء ووسط محافظة درعا، إضافة إلى مناطق سيطرته في القنيطرة (حضر ومدينة البعث) مع حملة إعلامية باتهام العصابات التكفيرية باستهداف المدنيين، وتعزيز لحالة مذهبية يعمل عليها كون المناطق المستهدفة ذات أكثرية درزية.
ومن الدلالات على قرب المعركة وخطورتها على جنوب الثورة هو التحركات التي يقوم بها تنظيم "الدولة" (داعش) بتنسيق قديم من النظام لاختراق مناطق المعارضة وتشويهها، والقيام بالدور القذر في السيطرة على بعض المناطق وتسليم أخرى له بدعوى الانسحابات وتقدم قوات النظام عدا عن إرهاب الأهالي وخلخلة حاضنة المعارضة.
نفس اللعبة الدولية والإقليمية، ونفس السيناريو اللعين الذي سمح للنظام بقضم جهات الثورة في شمالها ووسطها وغربها، وترك له الخيارات للصمود، وتهجير حواضن الثورة، وسبات عربي وعالمي في وجه كل الانتهاكات، والصمت عن ملفات المعتقلين وضحايا الكيماوي.
كل هذا يؤشّر إلى رغبة جديدة لدى جميع الأطراف لإكمال سياسة القضم وإعادة إنتاج الأسد الضعيف الذي سيقود بلاداً منهكة يمارس فيها كل هؤلاء صراعهم ومصالحهم بهدوء.
النظام يستكمل حملته الإعلامية بالإعلان عن وصول العميد سهيل الحسن (النمر) إلى مطار "خلخلة" في مدينة "السويداء" للتحضير للمعركة، وهي نفس الدعاية التي مورست عند الحشد لاقتحام الغوطة فيما تأتي تقارير من المعارضة عن دعوات للتوحد، وتجميع الفصائل بالضبط كما كانت في الغوطة وسواها.
دولياً يستثمر العالم في تمييع القضية السورية، وإدخالها في دهاليز مؤسسات الأمم المتحدة، وابتداع كل ما يؤخر محاسبة النظام المجرم، وتحويلها إلى قضية صراع أهلي طائفي المذنب فيه الجميع، وحصة القتيل من الذنب هي نفس حصة السكين القاتلة.
ما يطفو على سطح الملف السوري هو الجدال حول دستور جديد يفصّل على مقاس المصالح الدولية والأطراف الداخلية التي تمثل مصالحها، وبالتالي سينقسم السوريون أيضاً على شكل دولتهم ونظام حكمهم، وحتى على هويتهم التي يجري أيضاً تمييعها.
بالعودة إلى الجنوب لن نعيد نفس التحذيرات التي سبقت سقوط جبهات الثورة الأخرى، وخصوصاً أن البعض من أبناء الثورة يظهر شماتة مبطنة من باب أنهم تركوا وحدهم في حربهم مع النظام، وكذلك حجم الاستعراض العسكري والحديث عن إمكانيات المقاومة في الجنوب ربما يسمح للنظام وأعوانه باستخدام أعنف الأسلحة والإمكانيات لإبادةٍ جديدة.
لا تطمئنوا كثيراً الجنوب ليس بخير...جنوب الثورة في خطر.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية