إن المُطّلع على تاريخ حمص في القرن الثامن عشر والمتابع لمسلسلي سِحْر الشرق ووردة خريف العُمْرْ , حيث مريم إبنة مرهج كانت تحلم بأن يأتي مِجْوِلاً على حصانه ويخطفها ويطير بها .
فمن هو الشيخ أو الأمير ِمجْوِل ؟ (1)
لنتصفّح بعض المصادر التاريخية ونتعرّف عنه وعن مغامراته العاطفية :
كانت مضارب عشيرة السْبَعَة في ضواحي حمص , ففي الصيف كانت تؤم الضاحية الشرقية للمدينة وفي الشتاء تتجه نحو الحَمَــــادْ ( بادية الشام ) وإن أقوى فِرَق السْبَعَة يومئذ هي المَصْرَبْ وكانت هذه العشيرة مسيْطرة على طريق البادية من حمص ودمشق إلى تدمر وتتكفّل بإيصال السيّاح الأجانب والمسافرين وإرجاعهم بأمان وبأجرة من 15 – 20 ليرة ذهبية عن كل شخص . وإنَّ أشهر مشايخ المَصْرَبْ إسمه : مِجْوِلْ , كثيراً ما كان يرافق القوافل في مسيرها مع السيّاح الأجانب .
وفي مطلع النصف الثاني من القرن التاسع عشر اتجهَتْ نحو الشرق الانكليزية ( جين دغبي) التي وُلِدْت في لندن سنة 1807وعزمَت على رحلة تخترق فيها بادية الشام , وكالمعتاد في أغلب الأحيان سار مِجْوِلْ مع قافلته قرب هَوْدَجِها ووجهته تدمر , وفي الطريق وعند وصول القافلة إلى موقع يسمّى وادي المنصف قرب بلدة أرك , داهم القافلة غَزْوٌ من العُرْبان فخافت السيدة خوفاً شديداً , ومِن قائل إن هذا الغزو اصطنعه مَجْوَل , وظنّت أن هناك قُرصان برّ يرغبون أخذهم غنيمة وأخذت بالصراخ والاستغاثة وطمْأن مجْول خاطرها وأنها في مأمن مادام هو في ركابها ودهشت لما أبداه من ضروب الشجاعة والفروسية في ردّ الغزو فوق ما ازدان به من جمال الهيئة وحُسْن الفتوّة , وبدأت قصة حب بينهما فتزوجا في تدمر وأقاما فيها فترة من الزمن وكانت ترغب الإقامة في دمشق إلاّ أن مجْولاً أقنعها بالسكن في حمص معتذراً عن دمشق نظراً لوجود خلاف بين عشيرته وبين قبائل الشام , فوافقته , فابتاعا في حمص داراً في حي رأس المقيصلة وسكنا فيها سنة واحدة وكانت ترغب بالسكن خارج المدينة . فاشتريا ( كرْم البويضاني ) الذي يقع شمال حي الأربعين ( جامع الأربعين ) خارج السور ( وحدوده حالياً من مقهى طليطلة باتجاه الشرق نحو سينما حمص حتى مبنى غرفة التجارة والصناعة ) . وكان مزروعاً بأشجار المشمش والرمّان والتين والعنب مع بُرْكَة ماء ودولاب هوائي لسحب المياه من البئر وبنى فيه منزلاً كبيراً عُرِفَ ( بقصر مِجْوِلْ ) أو جنينة مِجْوِلْ .
أقام مِجْوِل وزوجته ثلاث سنوات في حمص ( 1867- 1869 ) ثم انتقلا إلى دمشق (2) وانّها ابتاعت بستاناً وبَنَتْ فيه سبعة منازل خَصَّت نفسها بإحداها ووهبت الباقي لرهط من العلماء الذين اهتمّوا بتعليمها اللغة العربية وتدريب زوجها على مطالعة القرآن الكريم وتفهّم معانيه .
وبقيت مخلصة لزوجها ثلاثين عاما لم تراسل أحداً من أهلها سوى شقيقها , وتوفيت في مرض الكوليرا في 11/ آب/ 1881ودفنت في مقبرة البروتستانت في دمشق وكتب على قبرها بالعربية : مَدام دغبي المصرب . وعاش مِجْوِل بعدها ست سنوات حيث توفي سنة 1887 .
أما مصير قصر مجول بعد وفاته فقد انتقلت بالشراء إلى السيد محمد نجيب بن الحاج عبد المجيد الرفاعي الذي أقام في الطرف الغربي منه مقهى ( المنظر الجميل ) شرق مقهى طليطلة حاليا .
6/3/2007
(1)
أ- هوثالث أبناء الأمير صقّار المسري من عرب السْبَعَة وأخواه الكبيران هما محمد وقانع كما ورد في تاريخ حمص الجزء 2 لمنير الخوري عيسى أسعد
ب- هو إبن شهاب بن عبدالله المصرب من عرب السْبَعَة كما ورد في كتاب حمص دراسة وثائقية الجزء 1 /سباعي – زهراوي /
ت- هو من عرب السْبَعَة وعمّه الشيخ صالح المصرب كما ورد في كتاب عشائر الشام الجزء 2 لأحمد وصفي زكريا .
(2) وسكنا في دار فخمة في حي مسجد الأقصاب بدمشق , كما ورد في كتاب عشائر الشام
الجزء 2 لأحمد وصفي زكريا
المصـــــــادر:
ــــــــــــ
1- عشائر الشام / أحمد وصفي زكريا / ج2 طبعة 1983
2- تاريخ حمص / منير الخوري عيسى أسعد/ ج2 1984
3- حمص دراسة وثائقية / سباعي – زهراوي / 1992
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية