شهدت الأيام الأخيرة تركيزاً كبيراً من إعلام النظام وحلفائه على حالة الأمان التي تعيشها سورية، والحالة الاقتصادية التي تتحسن تدريجياً، وورشات العمل التي بدأت بشق الطرقات الجديدة، وإزالة الحواجز على الطرق الدولية، وكذلك بين الأحياء التي كانت تحت سيطرة المعارضة والمجاورة للأحياء المؤيدة.
بنفس الوقت بالضبط تنفجر العبوات الناسفة في إدلب وريف حلب، وتتواصل عمليات الخطف والقتل المباشر لشخصيات عسكرية معارضة، وتشويه للمشوه من رجالات المعارضة السياسية الخارجية وتبادل التهم المتبادلة، هذا عدا عن الاشتباكات بين الفصائل على مختلف تسمياتها، وتبدو واضحة أصابع النظام وعملائه في ذلك، ومساهمة كبيرة لمن هم على دينه في بث السموم بين أبناء القوميات في شمال البلاد وشرقها.
الاعتداء على المهجرين والتضييق عليهم أيضاً مساهمة أخرى يمارسها من يتلقون التعليمات الإيرانية والروسية حتى لا يجد من رفض التصالح مع النظام بداً من القبول بالعودة إلى حضنه كخيار أقل ما يمكن أن يسمى بالرمد الأهون من العمى.
حلفاء الأسد في دول الجوار يضيقون الخناق على اللاجئين بحجة أن سورية عادت إلى حالتها الطبيعية، وانتفت حاجتهم للأمن الذي فقدوه، وهذا ما يفعله الأشقاء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولبنان على سبيل المثال يرى أنه لا بد من العودة، وبدأت الأجهزة الأمنية بالقبض على من تسميهم بالمخالفين، ومداهمات في مناطق تواجد اللاجئين خصوصاً في البقاع والقرى والمدن الحدودية ومخيمات اللجوء البائسة، فيما بقية الأعراب يعزفون مع الأسد لعبة الأمان والأمن الذي يعود لـ"سورية الأسد".
على الأرض السورية ومن نفس منابر النظام التي تدلل على الأمان تخرج موبقات الوطن الآمن، ولا يمر يوم من دون سلسلة جرائم القتل والسلب، وتقارير انتشار الدعارة المنظمة، وعمليات الانتحار بين الشباب التي تزداد بالتحديد في مناطق حاضنة النظام، والأوضاع الاقتصادية المتردية، وصفقات الفساد برعاية الشبيحة الجدد التي خرجوا من رحم قتلة النظام.
بالمقابل يحدثني أحد الأصدقاء المقيمين في العاصمة عن أحوال المدينة العربية التي استحالت وفق تعبيره مدينة إيرانية، وعندما سألته عن أحوال الشام قال: عن أي شام تسأل..قل أصفهان أو مشهد...وأما عن حياتنا فنحن أموات بثوب الحياة.
ولكن السؤال الحقيقي هل فعلاً يريد النظام عودة السوريين الهاربين من موته، وهو الذي سعى إلى ذلك بكل ما أوتي من بطش وقوة؟؟.. وكذلك مصلحة حلفائه هي الإبقاء على هذا التوزع الديموغرافي الذي يضمن لهم البقاء والولاء.
ما يفعله النظام اليوم لا يعدو عن دعاية لتوطيد سيطرته، وليقول للسوريين أولاً إن لا بديل لكم عني، فأنا من أمنح الأمان لكم وأنا من أستعيدكم إن شئت..ورسالة إلى العالم أنه وحده من يستطيع حكم هذي البلاد وأن البدلاء لا يستطيعون حماية أنفسهم وأهلهم.
بالمقابل الملايين من السوريين لا يصدقون كذبته، ويفضلون البقاء غرباء ولاجئين في بلاد أثبتوا فيها قدرتهم على الحياة والإبداع، وأما الوطن فلا يصلح مع الأسد.
*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية