أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

التلوّن الأمريكي في سوريا.. ماذا بعد؟*

قوات أمريكية في ريف الحسكة - جيتي

منذ بداية الثورة السورية اختارت الولايات المتحدة الأمريكية الانحياز إلى جانبها ضد نظام بشار الأسد، وقدمت لها "إعلاميا" ما يدل على أنها ستسهم بإزاحة الديكتاتور الذي يقتل شعبه، فوضعت له الخطوط الحمراء وهددته بالويل والثبور إن تجاوزها، كما حركت أسطولها البحري لزلزلة أركانه عقب قصفه الغوطة بالكيماوي.

دعمت فصائل الجيش الحر بالمال والسلاح الدفاعي، فأنشأت لها مجالس عسكرية وغرفتي "الموك" و"الموم"، واستقبلت ممثلي المعارضة في واشنطن، وخصصت لهم سفيرا يدلّهم على سبل العمل السياسي، ويأخذ بيدهم في المؤتمرات، ويوجه خطابهم السياسي الإعلامي، أو بشكل أوضح، يقودهم.

بشار الأسد داس كل الخطوط الحمراء، ارتكب المجازر، هدم وشرد، فكان الرد الأوبامي المزيد من التهديد والتصعيد الإعلامي، استخدم النظام الكيماوي في إبادة شعبه، فانكفأ تحرك أمريكا ضده بمسخرة سحب هذا النوع من السلاح من مستودعاته، واستحضر رأس النظام مرتزقة من كل العالم ولا سيما الطائفيين من إيران للدفاع عنه، وأمريكا تتابع الفرجة على المشهد، ولم تتخطّ ذلك عندما استدعى روسيا لمشاركته حفلة الدم بحق الشعب السوري.

ليست عبثية سياسية أمريكا في سورية، إنها استراتيجية مرسومة بدقة، لا يمكن أن تسمح لشعب حرّ أن يبني ديموقراطيته في الشرق الأوسط، هذا الحيّز الجغرافي الذي يعتبر محميّة إسرائيلية، يجب ألا يخرج من عباءة الطغاة والقهر المكبوت الذي يحمل بذور الاشتعال عندما تقتضي مصالح الدولة العبرية ذلك.

ديكتاتوريات محيط إسرائيل مصلحة أمنية عليا لها، بقيت عقودا وستستمر بتغييرات طفيفة لا تشمل الأدوار الرئيسية، وعلى هذا بنت أمريكا ومعها الغرب سياساتها في سورية، فأغمضت الطرف أو وجّهت بتكليف إيران وروسيا بسحق الثورة السورية.

ما كان لأمريكا أن تعلن تأييدها أو دفعها بهذا الاتجاه وهي راعية الحريات والديموقراطيات في العالم، وكان لزاما عليها لاستكمال هذا البريستيج أن تقدم شيئا للثورة السورية، فاستخدمت الإعلام في دعمها، ولكنها أطّرت عملها العسكرية بالحالة الدفاعية ورهنت تحركاتها الميدانية بقرار استخباراتها، فكانت تكسب المعارك وتخسرها، بناء على ذلك، كما تولّت ديبلوماسيتها تطويع الرؤوس الحامية في المعارضة، وتخفيض سقف مطالبها بما يوازي الحالة الميدانية التي خفّضتها كثيرا.

ولم يكن تشكيل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في سورية سوى عصا تلوح بها أمريكا في وجه من يفكر بتجاوز ما هو مقرر له على الأرض لا سيما تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، ودعمت "قوات سوريا الديموقراطية" لتكون فزاعة لفصائل المعارضة ويدها الميدانية التي تضرب حيث تقتضي مصالحها، وها هي تبيعها بثمن بخس للشاري التركي، وقد شارفت مهمتها على الانتهاء. 

وتتّبع اليوم سياسة العصا والجزرة مع إيران في قضية تواجدها الفصائلي في سورية، وتركت لإسرائيل القيام بما تقتضيه مصالحها عسكريا، ومن المرجح أن أمريكا ستقبض كل ما تريد من إيران دون أن تضطر لخوض حرب مباشرة معها، فهي تستطيع ببساطة قطع طريقها عابر الصحراء إلى دمشق من خلال فصائل المعارضة جنوب الصحراء السورية والقوات الكردية شمالها وشرقها، ولم تفعل حتى اللحظة.

تساوم أمريكا على كافة الجبهات، فتفاوض تركيا شمالا وروسيا جنوبا، ولم تستخدم العصا في أية مناسبة، تتلوّن بضبابية، ومن غير الواضح ماذا تريد بدقة، ولا يكتمل المشهد بسعيها لنفط دير الزور وأمن إسرائيل، ويبقى ناقصا، إن شيئا أو أشياء أخرى لا شك في ضرورة إضافتها عليه ليبدو مقنعا، فليس هذا كل ما تريده أمريكا.

هل يعقل أن تترك لروسيا كل هذا النفوذ في سورية، وهل ستسمح لحليفتها الاستراتيجية "من تحت الطاولة" إيران أن تخسر كل شيء في سوريا ولبنان؟ هل ستكتفي بجباية مصالحها عبر اللاعبين على الأرض أم أنها ستدير اللعبة بنفسها قريبا؟ يبدو أن الإجابة على هذه الأسئلة مرهونة بما تريده إسرائيل، فإن كان إبعادا كاملا لإيران، فهي الحرب المباشرة، وإن كان إضعافا لوجودها فقد تتولى روسيا الأمر، وهذا الاحتمال الأقوى، ولكن لا شك بتحرّك أمريكي غير بعيد باتجاه الحدّ من النفوذ المتصاعد لروسيا في سوريا.

*عبد السلام حاج بكري - من كتاب "زمان الوصل"
(125)    هل أعجبتك المقالة (137)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي