هي ذات الهجرة التي ثبتت حكم حافظ الأسد وحاشيته، وسيل البشر المتشحين بالسواد فارين من بيوتهم ومزارعهم من تحت القصف الإسرائيلي المتفق عليه، وبيان بسيط من إذاعة دمشق بسقوط مدينة القنيطرة، ومعها إقليم من الجبال والوديان المنيعة والأنهار اسمه الجولان، وفرار جيش دول الطوق العربي دون عتادها الذي تركته خلفها.
يتكرر المشهد مع ابن الوحش ولكن هذه المرة بلعبة أوسخ وأشمل، وكل شبر في سورية هو نكسة جديدة وجولان جديد يسرق، وأراضٍ تحرق، وبيوت تهدم فصورة القنيطرة التي تسول بها القائد الفذ عقوداً هي اليوم سوريا التي يُحكى عن إعادة إعمارها بعد أن دمرها الأسد ببراميله وصواريخه مع شركاء كثر، بينما دمرت القنيطرة بيد واحدة راعية لحكم الطاغية هي إسرائيل.
يبدو الوحش الابن أكثر دعماً من أبيه، والعالم جميعه يقف اليوم ضد سقوطه حتى أولئك العرب الذين يتهامسون عن إسقاطه بعد أن دفعوا ثمن السلاح لقتل معارضيه، وأما الكبار- الذين هددوا بإسقاطه وإزاحته وتقديمه للمحاكمة بعد استخدامه لكل السلاح المحرم- فقد أصابهم النسيان المباغت، وتحولوا للبحث عن صيغ بديلة للرحيل والإطاحة، وتبدو فكرة إحيائه هي الأكثر حقيقة بين كل ما تتم الثرثرة العلنية به.
بعد سنوات قليلة من وصول حافظ الأسد إلى السلطة تم إنجاز حرب التثبيت فيما تسمى بحرب تشرين التحريرية، وهذا ما استدعى تأليه الوحش وبداية رواية البطل والقائد التاريخي وأسد الأمة وسواها من الألقاب التي جملها القاتل حتى المذابح في عصره سميت انتصارات بما فيها تدمير مدينة بأكملها عام 1982 بدعوى العصابات الإرهابية، وكذلك تتم تحسين سورية الأسد الصغير بانتصارات على نفس الأعداء والمنهج، وتنسج خيوط الرواية الجديدة، والتي تحتاج إلى حرب جديدة ولكن خيوطها هذه المرة تبدو معقدة جداً مع وجود حلفاء كثر وكذلك مصالح دولية وإقليمية متعددة.
ما يعقد إنتاج أسد جديد أن الظروف الدولية والإقليمية ليست ناضجة لذلك.. فيما كانت ظروف الأسد الكبير مثالية واليد الصانعة واحدة ومتفقة، وريثما يتم توحيد هذه المصالح قد يطلب منه تدمير مدن جديدة، وخوض معارك تحت رايات جديدة رغم محاولة الروس الحفاظ على لغة متزنة للنظام تشبه خطاب الدولة بعيداً عن شعارات شركائه المظلومين وأصحاب رايات الظلام والطائفية.
لم يترك العالم وسدنته للشعب السوري أن ينتصر على الأسد وإرثه، وكان قاب قوسين أو أدنى سواء في تظاهراته السلمية أو حتى في معارك الدفاع عن البيوت والعائلات، وتم دعم النظام المتهالك سواء بالمال المستتر أو القتلة المرتزقة، وتجييش كل رعاع الأرض الذين استنهضوا معهم كل أحقاد التاريخ والشتائم.
في ذكرى نكسة تأسيس مملكة الموت ما زالت اللعبة مستمرة، وكذلك المقهورون بازدياد، وأصحاب الدم والنار توزعوا على كامل الثرى السوري، فالأسد وشبيحته تركوا ثأراً معه في كل بيت سوري...تستمر حماية مملكة الموت ويتسع الثأر.
*ناصر علي - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية